و أما في كتمانهم في صلاة الليل فأمرٌ عجب !


الشيخ/ خالد بن عثمان السبت

كان الواحد منهم كما قال بعض السلف : يدخل في فراش زوجته ثم يخادعها – كما ذكرنا سابقاً - كما تخادع المرأة صبيها ، فينسل لصلاة الليل إذا نامت دون أن تشعر به .

و كان أيوب السختياني رحمه الله يقوم الليل كله فيخفي ذلك ، فإذا كان عند الصبح رفع صوته كأنه قام تلك الساعة .

و من دقتهم في إخفاء السهر و صلاة الليل ، ما وقع من رجاء بن حيوة و هو من علماء التابعين ، حيث رأى رجلاً في المجلس يداعبه النعاس و يغالبه النوم ، و هذا بعد الصبح ، بعد الفجر ، فقال له : انتبه لا يظنون أنّ هذا عن تَسهّر ( يعني لئلا يتوهم أحد المشاهدين أنّ هذا من طول السهر لصلاة الليل ) ، لاحظوا الدقة ! هذا رجل

الآن ما جلس يصلي و يرائي ، ينعس ، و النعاس ضعف في الإنسان و فتور طبيعي يعتريه ، و لربما إذا رأيت إنساناً ينعس في مجلس الدرس لربما استصغرته ، و مع ذلك يقول له انتبه لا يدخل عليك الشيطان من هذا المدخل ، من النعاس ، لئلا يظن الناس أنّ هذا عن تسهر .

بل إنّ عبد الرحمن بن أبي ليلى كان يصلي في بيته ، فإذا شعر بأحد قطع صلاته النافلة و نام على فراشه كأنّه نائم ، فيدخل الداخل و يقول : هذا لا يفتر من النوم ، غالب وقته على فراشه نائم ، و ما علموا أنّه يصلي و لكنّه يُخفي ذلك عليهم .

وصحب رجلا ً محمد ابن أسلم ، فقال : لازمته أكثر من 20 سنة ، لم أره يصلي حيث أراه ركعتين من التطوع في مكانٍ يراه الناس إلا يوم الجمعة ، و سمعته كذا و كذا مرة يحلف و يقول : لو قدرت أن أتطوع حيث لا يراني ملكاي لفعلت خوفاً من الرياء .


وكان يدخل بيتاً له و يُغلق الباب لا ندري ما يصنع ، و مرة سمعت ابناً له الصغير يحكي بكائه - يقلده في البكاء ، الولد الصغير يقلد والده في البكاء - ، فقالت له أمه : اسكت ، يقول : فسألتها ، قالت : إنّ أباه يدخل هذا البيت ( يعني حجرة في البيت ) ، فيقرأ و يبكي ، فيسمعه الصبي ، فيحكيه - الصبي يحاكي الأب بالبكاء ، يقلده ، صبي يلعب يقلد الأب ، فالأم تقول له : اسكت - ، و كان إذا أراد أن يخرج من هذه الحجرة غسّل وجهه و اكتحل ؛ لئلا يُرى عليه آثار البكاء .

و كان يصل قوماً بالصدقة ، و يقول لمن يرسله : انظر لا يشعر بك أحد ، و لا يطلع عليك أحد .

و جاء رجل - و هذه من أعجب الأشياء - يقال له حمزة ابن دهقان ، جاء لبشر الحافي العابد الزاهد المعروف ، فقال له : أحب أن أخلو معك يوماً ، قال : لا بأس نحدد يوماً لذلك ، يقول : فدخلت عليه يوماً دون أن يشعر ، فرأيته قد دخل قبة – دخل مثل الخيمة - ، فصلى فيها أربع ركعات ، يقول لا أُحسن أن أصلي مثلها ، - أربع ركعات في غاية الخشوع و الكمال - ، يقول : فسمعته يقول في سجوده : " اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعلَمُ فَوْقَ عَرشِكَ أَنَّ الذُّلَّ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الشَّرَفِ ( يقصد الذل يعني الخمول ، و ليس الخمول يعني الكسل ، الخمول يعني الضعة و عدم الشهرة و الرفعة في الدنيا ) ، اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعلَمُ فَوْقَ عَرشِكَ أَنَّ الفَقْرَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الغِنَى ، اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ فَوْقَ عَرشِكَ أَنِّي لاَ أُوْثِرُ عَلَى حُبِّكَ شَيْئاً " ، هذا كلام صعب ، يصعُب على الإنسان أن يقوله و يُشهد الله عز وجل عليه ، و كان يقوله في هذا المكان ، يقول : فلما سمعته أخذني الشهيق و البكاء ، ما تمالك نفسه ، يقول : فجلست أبكي بصوت ، فقال : " اللَّهُمَّ أَنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي لَوْ أَعْلَمُ أن هذا ههنا لَمْ أَتَكَلَّمْ " ، انظر إلى إخلاصه و انظر إلى مناجاته لربه في السر ماذا يقول .

السابق التالى

مقالات مرتبطة بـ و أما في كتمانهم في صلاة الليل فأمرٌ عجب !

  • صلوات التطوع

    د. فخر الدين بن الزبير.

    1- قيام الليل مع الوتر، بعد صلاة العشاء إلى ما قبل الفجر، وأفضل وقتها الثلث الأخير من الليل، وأقلها ركعة، وأفضلها

    08/08/2022 545
  • هل الصلاة الوسطى هى صلاة المغرب ؟

    فريق عمل الموقع

    4ـ صلاة المغرب:  وهو قول قبيصة بن ذؤيب. وربما يُنسب إلى غيره. واحتجوا لذلك: أـ بأنّها الوسطى من أوّل صلاة

    12/03/2018 2615
  • مشاهد من عبادة أهل الليل

    زكريا بن طه شحادة

    أما مشاهد أهل الليل في ليلهم فهي أجل من أن توصف، وأكبر من أن تح، فحالهم عجيب، ونعتهم غريب؛ فما الظن بعبد محب حين

    09/05/2024 37
معرفة الله | علم وعَملIt's a beautiful day