لوازم الإيمان باسم الله (الحكيم)


عبد العزيز بن ناصر الجليل


الحقيقة الثانية :

ومن لوازم الإيمان باسم الله (الحكيم) الإيمان بأن ما يقضيه الله عز وجل من أحكامه الكونية القدرية فيها الحكمة البالغة ،وفيها الصلاح والخير ، إما في الحال أو المآل ، ولو ظهر فيها شيء مما تكرهه النفوس وتتألم منه مما يقدره الله سبحانه ، ففيه الخير والصلاح للناس ولو لم يظهر للبشر هذه الخيرية ؛ فلابد من الإيمان بأن الله عز وجل له الحكمة البالغة فيما يقدر ، وهذا ما يقتضيه اسم الله (الحكيم).

يقول الله تعالى : {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [البقرة:216].

[البقرة:216].

قال سيد قطب رحمه الله حول هذه الآية:"..إنه من يدري فلعل وراء المكروه خيراً ، ووراء المحبوب شراً.إن العليم بالغايات البعيدة المطلع على العواقب المستورة هو الذي يعلم وحده ،حيث لا يعلم الناس شيئاً" اهـ

والمقصود أن الإيمان بأن الله سبحانه حكيم في قضائه وقدره ؛ يفرض على المسلم الاستسلام والرضا بما يقدره الله عز وجل، من الأحكام الكونية القدرية،من مصائب وأمراض وغيرها،وما لا يستطيع دفعه بالأسباب الشرعية، أما ما يمكن دفعه ومنازعته بقدر آخر من أقدار الله عز وجل؛فإن هذا لا يعارض الإيمان بالقدر،كما سبق نقله عن الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى 

فالإيمان بعلم الله عز وجل وكتابته لجميع المقادير قبل وقوعها ، ثم الإيمان بأنه سبحانه حكيم فيما يفعل ، ويقضي ويقدر كل هذا ببث الرُّوح والطمأنينة ويسكبها في قلب المسلم المخبت لربه ، المطمئن لقضائه وقدره ، الموقن بأن كل ما يكتبه الله عز وجل عليه من مصائب وغيرها فهي خير له إما عاجلاً أو آجلاً ،

كما قال تعالى : { يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}

[البقرة:185]،

وكما قال : " عجباً لأمر المؤمن!إن أمره كله له خير؛ وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن ؛ إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له ، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له" ، وكقوله : ".. والخير كله في يديك والشر ليس إليك"  

فالشر ليس إليه سبحانه ولو ظهر لنا أن هذا الفعل شر ومكروه، فهو بالمآل خير وصلاح. ولقد كان أنبياء الله عز وجل يدركون ما في أسماء الله عـــز وجل من العبوديات وما يلزم عليها من الرضا والتسليم والطمأنينة لقضاء الله وقدره .

فهذانبي الله يعقوب عليه الصلاة والسلام عندما جاءه الخبر بحجز ابنه الثاني عند عزيز مصر-وقد سبق ذلك فقده ليوسف عليه السلام-توجه برجائه ودعائه لله عزوجل.قال تعالى يحكي حاله:

{قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَىاللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ}

[يوسف:83]

وكذلك الحال ليوسف عليه السلام عندما جمعه الله بأبويه حيث قال :

  { وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ}

[يوسف:100].

ومن خلال التأمل للآيتين السابقتين نلاحظ أن يعقوب وابنه عليهما الصلاة والسلام قد ختما تضرعهما لله عز وجل بعد المصائب التي حلت بهما بهذين الاسمين العظيمين (العليم الحكيم).

واختيار هذين الاسمين الجليلين في هذا المقيام له دلالته ومغزاه ؛ لأن أعرف الناس بالله عز وجل هم أنبياؤه ورسله،ولقد ختما تضرعهما إلى الله عــز وجل باسم  العليم الحكيم- ، وذلك والله أعلم لما يبثه هذان الاسمان الكريمان في قلب المسلم من الرضا والطمأنينة والتسليم لقدر الله عز وجل ، وأن شيئاً في هذا الكون لا يحدث إلا بعلم الله عز وجل وحكمته البالغة . وبينما كنت في نهاية هذا البحث وخاتمته قدر الله عز وجل الأحداث الموجعة التي تعيشها المنطقة الإسلامية هذه الأسابيع ، والتي تعرف بأحداث الخليج على إثر الاجتياح العراقي لدولة الكويت ، ومع ما تحمله هذه الأحداث من مصائب ونكبات، إلا أنه ظهر وسيظهر من مقتضيات اسم الله ( العليم الحكيم) دروس وعبر ومشاهد ، تزيد في إيمان المؤمن بأسماء الله عز وجل الحسنى وصفاته العليا .

ولذا أحببت أن أ ُدلي ببعض المعاني التي جالت في الخاطر إزاء هذه الأحداث بعد ربطها بهذين الاسمين الجليلين العظيمين من أسماء الله عز وجل الحسنى العليم- ، الحكيم- ، فأقول وبالله التوفيق :

إن من الأصول المستقرة في باب الإيمان بالله عز وجل، الإيمان بقضائه وقدره، وأن شيئاً لا يحدث في هذا الكون صغيراً أو كبيراً إلا بعلم الله عز وجل وإرادته وخلقه له ؛

قال تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}

[القمر:49]،

وقال تعالى : {وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ}

[القمر:53].

كما أن الإيمان بالله سبحانه وقضائه وقدره وأسمائه وصفاته ،لايحصل إلا بأن يجزم المسلم أن ما يكتبه الله عز وجل ويقدره في هذا الكون من ورائه حكمة بالغة ، ولو ظهر للناظر أنه شر ومكروه ؛ فالإنسان بإدراكه المحدود في الزمان والمكان ، ولأن من طبيعته الجهل والظلم ، فإنه لا يمكن أن يدرك مآلات الأمور وعواقبها ، ولا يعلم بذلك إلا العليم الحكيم ، خالق الأشياء ومقدرها ، وعالم الغيب والشهادة .

قال تعالى : {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ}

[النمل:65].

وقال تعالى : {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}

[الملك:14]،

وقال تعالى : {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ}

[الحديد:22].

إذ الأمر كذلك ؛ فلا شك ولا ريب،أن ما حصل من أحداث، وشرور في أحداث الخليج إثر الاجتياح البعثي للكويت لابد وأن نخضعه للأصول الآنفة الذكر ، وأن من حاد عن هذا المنهج فقد خسر إيمانه بالله عز وجل أصلاً، وانحاز إلى معسكر الكفر والإلحاد ، الذين لا يؤمنون بشيء من هذه الحقائق ، وإنما يفسرون أحداث التاريخ تفسيراً مادياً معزولاً عن علم الله عز وجل وتقديره، وحكمته البالغة فيما يخلق ويقدر.

وعلى ضوء ما سبق ؛ فإن الواجب على المسلم إزاء هذه الأحداث أن يؤمن إيماناً جازماً أن ماقدره الله عز وجل في أحداث الخليج، وإن كانت موجعة مؤلمة ؛ فإن من ورائها حكمة بالغة اقتضتها حكمة أحكم الحاكمين والمرتبطة باسمه (الحكيم) سبحانه وتعالى .

السابق التالى

مقالات مرتبطة بـ لوازم الإيمان باسم الله (الحكيم)

  • التعبد باسم الله (الحكيم)

    فريق عمل الموقع

    1- يلزم للإيمان بهذا الاسم لوازم قلبية تعبدية: تقتضي الإيمان الجازم بأن الله عز وجل حكيم في جميع أحكامه الدينية

    28/11/2021 1619
  • من آثار الإيمان باسم الله الرفيق

    حسام بن عبدالعزيز الجبرين

    الحمد لله وحده والصلاة والسلام على نبيه وعبده وعلى آله وصحبه أما بعد إخوة الإيمان: فإن للإيمان باسم الله الرفيق

    14/12/2020 1777
  • الحكيم

    فريق عمل الموقع

    قال تعالى: (والله عليم حكيم) "قد دلت العقول الصحيحة والفِطَر السليمة على ما دل عليه القرآن والسنة: أنه سبحانه

    07/01/2021 1273
معرفة الله | علم وعَملIt's a beautiful day