لماذا يستحيل أن يكون التشريع إلحـاديا حتى في دولة مُلحدة ..!!


دكتور / هيثم طلعت علي سرور

 

التشريع في صورته الرائقـة هو قـانون إلزامي وأي قـانون على وجه الأرض هو تجسيـد لضمير الإنسـان ( وطبعـا أنا أقصـد القوانين المُحترمة وإلا فإن القانون الذي يُعطي المواطن حق التصفيق للطبقة الحاكمة فإنه ليس قانونا بل مسخرة )

 لكن ما هو سبب التشريع ؟ ولمـاذا الإنسـان هو الحيـوان الوحيـد الذي يحتـاج إلى تشريع ولماذا الإنسان ابن الطبيعة ابن الغابة يتمرد على الطبيعة ويتمرد على قانون الغـابة التي نشـأ منهـا لماذا الإنسان يتمرد على مصيره الحيواني لماذا يرفض أن يكون حيوانا يحكمه تشريع الغابة ؟

فالحيوان مصلحي جدا منفعي جدا حساباته مادية بحتة لا توجد عنده أفكار النجاسة والقداسة لا يعترف بوجود الخير والشر فهو بريء تماما من الناحية الأخلاقيـة .. لكن الإنسان ليس كذلك الإنسان إمـا خِّير أو شرير لا يوجد إنسان بريء من الناحية الأخلاقية حتى ولو أراد أن يكون كذلك فمنذ المقدمـة السماوية أصبح الإنسـان ليس مُخيرا بين أن يكون إنسانا أو حيوان لكنه مُخير بين أن يكون إنسان أو لا إنسان لقد استقر في وعي الإنسان أن له أصلا لا يذكر عنه شيئا الآن لكنه يحاول العودة إليه .. إنه في رحلة البحث عن الفردوس المفقود .

منذ اللحظة التي هبط فيها على الأرض وكـأنه قد استقر في وعيه أنه كان فيه يومـا ما ثم طُرد منه ولا يجد قيمة لحياته إلا بالبحث عن الطريق الحق حتى يعود إلى هذا الفردوس فهو في شعور دائم بتفاهة الدنيا وضآلتها فمنذ التمهيد السماوي .. منذ المُقدمة السماوية .. مُنـذ تلك اللحظـة التي نفـخ الله فيهـا من روحـه في الجسـد الأرضـي المادي بدأ الصراع ولا يحيـا الإنسان إلا في هذا الصراع ومن أجل هذا الصراع .. الصراع بين الروح والجسد .. الصراع بين الجسـد الأرضي المادي برغبـاته وشهواته وبين المُثـل العُليـا .. الصراع بين الخير والشر .. المصلحة والواجب .. إنه صـراع لا منـاص منه وعلى الرغم من أن المُثل العليـا والقيم العُليـا لا يمكن البرهنة عليها عقليـا فهي تأتي دائما ضد المصلحة الشخصية ضد الإنسان ضد المادة إلا أن الجميع يعتنقها ويؤمن بها بوعي أو بغير وعي .

 فالإنسـان ليس مُخيـر في رفض التكليف الإلهي ويبدو أن هذه القيم اللامصلحيـة تستمد قيمتها من عالم آخر تستمد قيمتها من حسابات أُخرى لا علاقة لها بالحسابات المادية او الحيوانية .

 

وجميع التشريعات على وجه الأرض التي استنها الإنسـان قديمـا وتلك التي سيستنهـا مستقبلا مصدرها واحد .. مصدرهـا محاولة التوفيق بين الروح والجسد .. المصلحة والواجب .. الضمير والشهوة .. مصدرها محاولة تطبيق الأخلاق بقيمهـا المُطلقـة بحيث لا تتعارض مع متطلبات الجسـد لذلك يقول هوجو جريتوس اكبر قانونيّ العالم :- ( القانون يعتمد على الأخلاق والأخلاق فحسب والله هو المصدر الأعلى للقانون .)

 

ولو استوعبنـا الفقرات الماضيـة سنستوعب جيدا جميع مصـادر التشريعات على وجه الأرض فموعظة الجبـل مثلا وعلى الرغم من أنهـا تُمثل قِمة يصعب الإرتقـاء إليهـا إلا أنها لا تصلح أن تكون تشريعـا بل هي ساقطة حتما في التطبيق .. فهي معنى ضيق من معاني التشريع يصلح لكهنـة فريسيين متشددين تحول الدين عندهم إلى رسوم ومظـاهر .. كذلك الواقعية الشديدة في التوراة لا تصلح كتشريع مُطلق إنمـا تصلح لمعاقبـة العصـابات الأُمميـة .

 

 

ومِن هُنــا يأتي الإسلام لا ليؤكـد الحُب الإنجيلي ولا ليُطـالب بمِثـاليـة الأديـان الأُخـرى كالبوذيـة تلك المثاليـة التي تؤدي إلى الإحبـاط وعدم الشـعور بالأمن ولا يطالب بواقيعـة التوراة المؤلمـة فهنـاك ولابد تنـاقض بَيِّـن بين الرغبـات والواقع .. بين النظـرية وبين الممُـارسة العمليـة لكن ليطالب بتشريع إنساني . (1)

 

 

 فاستطـاع الإسلام أن يـوازن بين المُتطلبـات المـادية والمُثـل العُليـا لذا فالإسلام هو الدين الوحيـد الذي يستطيع الإنسـان أن يعيش من خلاله في اتسـاق مع بيئتـه ... فالإسلام فيـه اشتراكيتـه الخـاصة .

 

  

---------------

المراجع للإستزادة :- كتـاب الإسلام بين الشرق والغرب .. تأليف:- علي عزت بيجوفيتش .. ترجمة :- محمد يوسف عدس .. مؤسسة بافاريـا

(1) في الإسلام جوانب قد لا تروق للشعراء والرومانسيين فهـو دين واقعي لا مكان فيه لأبطال الملاحم .. يدعـو للفضيلة لكنه لا يُكـرس الزُهـد في المقـابل المسيحية بها مفهوم مفعم بالحيوية عن الألوهية ولكن لم تبلغ الوعي التام بوحدانية الله وبسبب هذه الخاصية في فهم الألوهية ضحَّت المسيحية بتوحيد التوراة في سبيل ثالوث المجامع .. فالإسلام فيه واقعيـة التوراة وروحـانية الإنجيـل {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا }القصص77 .. فيـه العيـن بالعيـن التي لا غنى عنهـا في حالات مُعينـة وفيه وأن تعفوا هو أقـرب للتقوى .. وبالرغـم من كل النكبـات التي تعـرض لها الإسلام إلا أنـه ظـل انقى أديـان التوحيـد .

السابق التالى

مقالات مرتبطة بـ لماذا يستحيل أن يكون التشريع إلحـاديا حتى في دولة مُلحدة ..!!

  • استيلاء الأجنبي عليهم

    فريق عمل الموقع

    استمرت دولة إسرائيل مستقلة لها سيادتها على أرضها قرابة (244)عاماً حيث سقطت بعدها في يد الآشوريين زمن ملكهم سرجون

    24/01/2010 4054
  • دخول بني إسرائيل أرض فلسطين

    فريق عمل الموقع

    بعد انقضاء المدة المحكوم على بني إسرائيل فيها بالتيه، فتح بنو إسرائيل الأرض المقدسة بقيادة يوشع بن نون عليه

    24/01/2010 4342
  • الفرق اليهودية 6- السامريون

    فريق عمل الموقع

    السامريون: في الأصل هم شعب دولة إسرائيل التي تكونت في الشمال من دولة يهوذا، وذلك بعد سليمان عليه السلام .

    24/01/2010 5007
معرفة الله | علم وعَملIt's a beautiful day