الاطمئنان والخشوع في الصلاة
مِنَ القُرآنِ الكرِيم:
1) ]قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ، الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ. وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ. وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ. وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ، إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ، فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ. وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ، أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ، الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ[ ([1]).
أَفْلَحَ : فازوا وسعدوا ونجوا.
خَاشِعُونَ : حاضرة قلوبهم في صلاتهم مع سكون الجوارح
اللَّغْوِ : ما لا يجمل من القول أو الفعل
مَلُومِينَ : مؤاخذين.
الْعَادُونَ : المجاوزون الحلال إِلى الحرام.
الْفِرْدَوْسَ : أعلى درجات الجنة.
المعنى: (قَدْ أَفْلَحَ) فاز (الْمُؤْمِنُونَ) المصدقون بالله ورسوله العاملون بشرعه (الَّذِينَ هُمْ) من صفاتهم أنهم (فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ) تفرّغوا لها قلوبهم، وتسكن جوارحهم. (وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ) لكل ما لا خير فيه من الأقوال والأفعال (مُعْرِضُونَ) تاركون. (وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ) والذين هم مطهرون لنفوسهم وأموالهم بأداء زكاة أموالهم على اختلاف أجناسها. (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ) مما حرم الله من الزنا واللواط وكل الفواحش، (إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ) زوجاتهم (أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ) من الإماء ، والأمَة هي امرأة يشتريها سيدها أو يتملكها بوسيلة مشروعة أخرى (فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) فلا لوم عليهم ولا حرج في جماعهن والاستمتاع بهن؛ لأن الله تعالى أحلهن ، فلا يحل للرجل إلا الاستمتاع بزوجته أو بأمَتِه المملوكة بملك اليمين فقط ، ولا يحل للمرأة إلا الاستمتاع بزوجها فقط ، ولا يحل للأمَة إلا الاستمتاع بسيدها فقط (فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ) فمن طلب التمتع بغير زوجته أَوْ أمته (فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ) فهو من المجاوزين الحلال إِلى الحرام، وقد عرّض نفسه لعقاب الله وسخطه. (وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ) والذين هم حافظون لكل ما اؤتمنوا عليه، موفون بكل عهودهم. (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ) يداومون على أداء صلاتهم في أوقاتها على هيئتها المشروعة، الواردة عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ، (أُولَئِكَ) هؤلاء المؤمنون (هُمُ الْوَارِثُونَ) الجنة، (الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ) أعلى منازل الجنة وأوسطها، (هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)، لا ينقطع نعيمهم ولا يزول.
* * *
مِنْ سُنَّة الرسول صلى الله عليه وسلم :
1) حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، فَرَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم السَّلامَ. قَالَ: ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ. فَرَجَعَ الرَّجُلُ فَصَلَّى كَمَا كَانَ صَلَّى، ثُمَّ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَسَلَّمَ عَلَيْهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : وَعَلَيْكَ السَّلامُ. ثُمَّ قَالَ: ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ. حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ. فَقَالَ الرَّجُلُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أُحْسِنُ غَيْرَ هَذَا ! عَلِّمْنِي. قَالَ: إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلاةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلاتِكَ كُلِّهَا ([2]).
المعنى : (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه) وهو عبد الرحمن بن صخر الدوسي اليماني تُوفِّيَ سنة 57هـ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ الْمَسْجِدَ) وبينما هو جالس في ناحية المسجد (فَدَخَلَ رَجُلٌ) هو خلاد بن رافع (فَصَلَّى) ركعتين ، وفيه إشعار بأنه صلى نفلاً ، والأقرب أنها تحية المسجد ، وهذا الرجل صلى صلاة خفيفة لم يتم ركوعها ولا سجودها ، ثم انصرف من صلاته (ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ) قدم حق الله على حق رسوله ؛ فصلى ركعتين أولاً ثم سلم على الرسول صلى الله عليه وسلم (فَرَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم السَّلامَ ، قَالَ) الرسول صلى الله عليه وسلم :(ارْجِعْ) أعد صلاتك (فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ) فيه أن أفعال الجاهل في العبادة في غير علم لا تجزئ . (فَرَجَعَ الرَّجُلُ فَصَلَّى كَمَا كَانَ صَلَّى) أي : في أول مرة ، أي : لم يتم الركوع ولا السجود ، (ثُمَّ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَسَلَّمَ عَلَيْهِ) ، فيه استحباب تكرار السلام ورده. (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : وَعَلَيْكَ السَّلامُ. ثُمَّ قَالَ: ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ. حَتَّى فَعَلَ) الرجل (ذَلِكَ) المذكور (ثَلاثَ مَرَّات)ٍ فإن قيل : لم سكت النبي صلى الله عليه وسلم عن تعليمه أولاً حتى افتقر إلى المراجعة كَرَّة بعد أخرى ؟ والجواب : لأن الرجل لما لم يستكشف الحال مغتراً بما عنده سكت عن تعليمه زجراً له وإرشاداً إلى أنه ينبغي أن يستكشف ما استبهم عليه (فَقَالَ الرَّجُلُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ) أَقْسَمَ الرجلُ بالله U الذي بعث رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم بالحق (مَا أُحْسِنُ غَيْرَ هَذَا !) أي : لا أدري غير هذا (عَلِّمْنِي) وإنما لم يعلمه أولاً ليكون أبلغ في تعريفه وتعريف غيره بصفة الصلاة المجزئة . (قَالَ: إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلاةِ فَكَبِّرْ) وفي رواية للبخاري : إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر ، وفيه دليل على أن غير التكبير لا يصح به افتتاح الصلاة (ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ) وفي رواية : ثم اقرأ بأم القرآن وبما شاء الله أن تقرأ ، ففيه تصريح بوجوب قراءة الفاتحة (ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا) وفي رواية : فإذا ركعت فاجعل راحتيك على ركبتيك وامدد ظهرك وتمكن لركوعك (ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا) وفي رواية : حتى تطمئن قائماً ؛ فثبت ذكر الطمأنينة في الاعتدال ، وفي رواية : فأقم صلبك حتى ترجع العظام إلى مفاصلها (ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا) ومَكِّنْ جبهتك من الأرض ، وفيه وجوب السجود والطمأنينة فيه , ولا خلاف في ذلك (ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلاتِكَ كُلِّهَا) فيه دليل على أن عليه أن يقرأ في كل ركعة كما كان عليه أن يركع ويسجد في كل ركعة . واستدل بهذا الحديث على وجوب الطمأنينة في أركان الصلاة . وفي الحديث دليل على أن صلاة من لم يقم صلبه في الركوع والسجود غير مجزية .
من فوائد الحديث :
هذا الحديث مشتمل على فوائد كثيرة ، وليعلم أولاً أنه محمول على بيان الواجبات دون السنن .
وفيه دليل على وجوب الاعتدال عن الركوع , والجلوس بين السجدتين . ووجوب الطمأنينة في الركوع والسجود , والجلوس بين السجدتين .
وفيه الرفق بالمتعلم والجاهل ، وملاطفته ، وإيضاح المسألة ، وتلخيص المقاصد ، والاقتصار في حقه على المهم دون المكملات التي لا يحتمل حاله حفظها والقيام بها .
وفيه استحباب السلام عند اللقاء , ووجوب رده , وأنه يستحب تكراره إذا تكرر اللقاء , وإن قرب العهد , وأنه يجب رده في كل مرة , وأن صيغة الجواب وعليكم السلام أو وعليك بالواو.
واستدل بالحديث على وجوب الطمأنينة في الأركان .
وفيه وجوب الإعادة على من أخل بشيء من واجبات الصلاة .
وفيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , وحسن التعليم بغير تعنيف , وإيضاح المسألة , وتخليص المقاصد , وطلب المتعلم من العالم أن يعلمه .
وفيه جلوس الإمام في المسجد وجلوس أصحابه معه . وفيه التسليم للعالم والانقياد له والاعتراف بالتقصير والتصريح بحكم البشرية في جواز الخطأ .
وفيه حسن خلقه صلى الله عليه وسلم ولطف معاشرته .
وفيه تأخير البيان في المجلس للمصلحة .
وفيه وجوب القراءة في الركعات كلها .
وفيه أن المفتي إذا سئل عن شيء وكان هناك شيء آخر يحتاج إليه السائل يستحب له أن يذكره له وإن لم يسأله عنه ويكون من باب النصيحة لا من الكلام فيما لا معنى له . وموضع الدلالة منه كونه قال (علمني) أَيْ: الصلاة فعلمه الصلاة ومقدماتها .
وفيه أن أفعال الجاهل في العبادة على غير علم لا تجزئ .
* * *
2) حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ يَوْمًا ثُمَّ انْصَرَفَ فَقَالَ: يَا فُلانُ أَلا تُحْسِنُ صَلاتَكَ؟ أَلا يَنْظُرُ الْمُصَلِّي إِذَا صَلَّى كَيْفَ يُصَلِّي؟ فَإِنَّمَا يُصَلِّي لِنَفْسِهِ؟ إِنِّي وَاللَّهِ لأُبْصِرُ مِنْ وَرَائِي كَمَا أُبْصِرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ ([3]).
(حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه) وهو عبد الرحمن بن صخر الدوسي اليماني تُوفِّيَ سنة 57هـ (قَالَ) أبو هريرة : (صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ يَوْمًا ثُمَّ انْصَرَفَ فَقَالَ: يَا فُلانُ أَلا تُحْسِنُ صَلاتَكَ؟) من التحسين أو الإحسان (أَلا يَنْظُرُ الْمُصَلِّي إِذَا صَلَّى كَيْفَ يُصَلِّي؟ فَإِنَّمَا يُصَلِّي لِنَفْسِهِ؟) أَيْ: أن الصلاة لا تنفعه فينبغي للعاقل أن يراعيها (إِنِّي وَاللَّهِ لأُبْصِرُ مِنْ وَرَائِي كَمَا أُبْصِرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ) قال العلماء : إن ذلك مما خص به النبي صلى الله عليه وسلم أن ينظر من وراء ظهره من غير التفات ، وإنما أراد بذلك حضهم على الخشوع وإتمام الركوع . والله تعالى أعلم .
من فوائد الحديث :
فيه الأمر بإحسان الصلاة والخشوع وإتمام الركوع والسجود .
وفيه جواز الحلف بالله تعالى من غير ضرورة لكن المستحب تركه إلا لحاجة كتأكيد أمر وتفخيمه والمبالغة في تحقيقه وتمكينه من النفوس , وعلى هذا يحمل ما جاء في الأحاديث من الحلف .
مقالات مرتبطة بـ الاطمئنان والخشوع في الصلاة
-
مبطلات الصلاة
1- التيقن من عدم الطهارة. 2- ترك شرط من شروط الصلاة، أو ركن من أركانها، بلا عذر. 3- الأكل والشرب عمداً. 4-
14/07/2022 890 -
قسم الفقه السؤال الثامن عشر
س: ما حكم ترك الصلاةج: ترك الصلاة كفر "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر" رواه أحمد والترمذي
09/11/2021 748 -
الحق
الحق قال تعالى: (فتعالى الله الملك الحق)، قال ابن الأثير: "(الحق) هو الموجود حقيقة، المتحقق وجوده وألوهيته"، وقال
14/01/2021 1503