الإسلام قوي في ذاته
دخل أعرابي الإسلام فسألوه: لماذا دخلت الإسلام؟ قال: ما قال لي محمد: افعل وقال قلبي: لا تفعل، وما قال لي محمد: لا تفعل وقال لي قلبي: افعل. فقد قال الله عز وجل: لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ [التوبة:33] فليس شرطاً أن ستة مليار إنسان يصيرون مسلمين، فالخمر في الغرب مباح، فهل يسمح الغرب لقائد طائرة أو قائد سيارة أن يسير وهو مخمور؟ مع أنه مباح عنده، فهو عند الضرر بالآخرين لا يسمح؛ لأنه يحتاج إلى ما عند الإسلام من تشريع.
حتى إن الفرنسيين اليوم يدرسون قوانين المواريث الإسلامي لتطبيقه؛ لأنها أعظم القوانين في الميراث، حتى إن أبا القانون في فرنسا جلس بعدما درس المحاماة يبحث في القضايا التي حكمت فيها المحاكم الفرنسية على مدى ثلاثين عاماً، فوجد أن المحاكم الفرنسية أخطأت فيما يقرب من أربعين بالمائة في أحكامها، تبدأ من حبس لمدة ساعة، إلى سجن لمدة معينة، إلى إعدام.
فالرجل الذي حجز لمدة ساعة وظلم وصار بريئاً، والذي سجن عشر سنوات وكان بريئاً، والذي قتل ولم يكن يستحق القتل، من يعوضهم؟ فبدأ يفتح في الكتب المقدسة؛ لعله يجد كتاباً مقدساً يعوض الإنسان بعد موته عن ظلم حاق به في الحياة، فلم يجد هذا التعويض إلا في القرآن، فأسلم هذا الرجل.
فالإسلام قوي في ذاته، ففي الهيئة العالمية للإعجاز العلمي اكتشف علماء المخ والأعصاب منذ شهور أن المرأة التي تنزع بالملقاط أو بآلة شعر حواجبها يؤثر ذلك على الخلايا المخية عندها.
ولا ننتظر أن يقول العلم: إن كلام الرسول صدق، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لعن الله النامصة والمتنمصة)، لكن هذا كما قال تعالى: وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا [المدثر:31]. تقول المرأة الألمانية العالمة التي حصلت على جائزة نوبل في الستينات: من الذي أدرى محمداً أن الكبد ناحية اليمين والقلب ناحية اليسار؟ فقد علم المسلمين أن يناموا على الجنب الأيمن؛ حتى يكون القلب من أعلى، فيتحرك طوال النوم بحرية، ولو نام الإنسان على الجنب الأيسر لالتصق الكبد على القلب فتحرك حركة بطيئة وعاق دخول وخروج الدم! من الذي علم محمداً هذا إلا ربه! فدخلت الإسلام لهذا السبب.
إذاً: نحن في أيدينا أكبر ثروة في العالم وهو كتاب الله عز وجل، ولذلك قال الله سبحانه: ذَلِكَ الْكِتَابُ [البقرة:2] أي: لا كتاب غيره، قال: ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ [البقرة:2]، وهذه الآية في أول البقرة يجوز أن تنطق كل كلمة منها وتقف عندها فتجد جملة مفيدة، فتقول: الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ [البقرة:1-2] جملة مفيدة، وتقول: ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ [البقرة:2] جملة مفيدة، وتقول: ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ [البقرة:2]، ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى [البقرة:2] أو فِيهِ هُدًى [البقرة:2]، هُدًى لِلْمُتَّقِينَ [البقرة:2] فكلها جمل مفيدة.
فالقرآن وحدة متكاملة، قال ابن عباس : كلما دخلت وقرأت في الحواميم شعرت أني في رياض أتأنق فيهن. ودخل أعرابي خلف أبي حنيفة ليصلي، فقال: من هذا الذي يصلي؟ قالوا: هذا أبو حنيفة ، قال: من أبو حنيفة ؟ قالوا: هذا عالم من علماء المسلمين، فوقف الرجل وزاحم في الصفوف إلى أن جاء إلى الصف الأول، فقرأ أبو حنيفة وهو يصلي بالناس.
وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ [المائدة:38] وأخطأ أبو حنيفة وقال: (والله غفور رحيم)، فرد الأعرابي فقال: وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [المائدة:38] فاستدرك أبو حنيفة وأعاد الآية سليمة، وبعد أن أنهى الصلاة قال: جزى الله خيراً الذي ردني، ففرح الأعرابي وقال: أنا، قال: أتحفظ القرآن؟ قال: لا، قال: أتحفظ السورة؟ قال: لا، قال: أتحفظ الآية؟ قال: أول مرة أسمعها، قال: وما الذي أدراك أن نهاية الآية: وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [المائدة:38] وليس: (والله غفور رحيم)؟ قال: لو كان نهاية الآية: (والله غفور رحيم) لما حكم على السارق بقطع يده، لكنه لما عز في عليائه حكم على السارق بقطع يده، فكان النص يقتضي: وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [المائدة:38] وليس: (والله غفور رحيم).
إذاً: فالقرآن خاطب هذه القلوب، وهذه القلوب تفاعلت مع كتاب الله عز وجل، فهذا خالد بن الوليد رضي الله عنه يجعل القارئ يقرأ أمام الجيش سورة الأنفال وسورة التوبة، ثم يقول: شعار المعركة: الله أكبر هبي رياح النصر، فتهب رياح النصر؛ لأنهم متفاعلون مع كتاب الله عز وجل.
وهذا أنس بن النضر يقول: أشم رائحة الجنة خلف أحد، فهم لم يقرءوا القرآن فحسب، وإنما قرءوا القرآن وطبقوه. وحفظ عمر البقرة في ثمان سنوات، ليس لأن عمر لم يكن نبيهاً ولا ذكياً، وإنما كان يحفظ الآية ثم يطبقها، ثم يحفظ الآية التي تليها ثم يطبقها، فكان يحقق العلم والعمل.