الِاخْتِيَارُ دَالٌّ عَلَى رُبُوبِيَّتِهِ سُبْحَانَهُ
وَإِذَا تَأَمَّلْتَ أَحْوَالَ هَذَا الْخَلْقِ، رَأَيْتَ هَذَا الِاخْتِيَارَ وَالتَّخْصِيصَ فِيهِ دَالًّا عَلَى رُبُوبِيَّتِهِ تَعَالَى وَوَحْدَانِيَّتِهِ وَكَمَالِ حِكْمَتِهِ وَعِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ، وَأَنَّهُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَلَا شَرِيكَ لَهُ يَخْلُقُ كَخَلْقِهِ، وَيَخْتَارُ كَاخْتِيَارِهِ، وَيُدَبِّرُ كَتَدْبِيرِهِ، فَهَذَا الِاخْتِيَارُ وَالتَّدْبِيرُ وَالتَّخْصِيصُ الْمَشْهُودُ أَثَرُهُ فِي هَذَا الْعَالَمِ مِنْ أَعْظَمِ آيَاتِ رُبُوبِيَّتِهِ، وَأَكْبَرِ شَوَاهِدِ وَحْدَانِيَّتِهِ، وَصِفَاتِ كَمَالِهِ، وَصِدْقِ رُسُلِهِ، فَنُشِيرُ مِنْهُ إِلَى يَسِيرٍ يَكُونُ مُنَبِّهًا عَلَى مَا وَرَاءَهُ دَالًّا عَلَى مَا سِوَاهُ.
فَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ سَبْعًا فَاخْتَارَ الْعُلْيَا مِنْهَا فَجَعَلَهَا مُسْتَقَرَّ الْمُقَرَّبِينَ مِنْ مَلَائِكَتِهِ، وَاخْتَصَّهَا بِالْقُرْبِ مِنْ كُرْسِيِّهِ وَمِنْ عَرْشِهِ، وَأَسْكَنَهَا مَنْ شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ، فَلَهَا مَزِيَّةٌ وَفَضْلٌ عَلَى سَائِرِ السَّمَاوَاتِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ إِلَّا قُرْبُهَا مِنْهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى.
وَهَذَا التَّفْضِيلُ وَالتَّخْصِيصُ مَعَ تَسَاوِي مَادَّةِ السَّمَاوَاتِ مِنْ أَبْيَنِ الْأَدِلَّةِ عَلَى كَمَالِ قُدْرَتِهِ وَحِكْمَتِهِ، وَأَنَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ.