أى الصبرين أفضل صبر العبد عن المعصية، أم صبره على الطاعة؟
والصبر على الطاعة ينشأُ من معرفة هذه الأسباب ومن معرفة ما تجلبه الطاعة من العواقب الحميدة والآثار الجميلة، ومن أَقوى أسبابها: الإيمان والمحبة، فكلما قوى داعى الإيمان والمحبة فى القلب كانت استجابته للطاعة بحسبه.
وههنا مسألة تكلم فيها الناس، وهى أى الصبرين أفضل صبر العبد عن المعصية، أم صبره على الطاعة؟ فطائفة رجحت الأول وقالت: الصبر عن المعصية من وظائف الصدّيقين، كما قال بعض السلف: أعمال البر يفعلها البر والفاجر، ولا يقوى على ترك المعاصى إلا صدّيق. قالوا: ولأن داعى المعصية أشد من دواعى ترك الطاعة، فإن داعى المعصية إلى [داع أمر] أمر وجودى تشتهيه النفس وتلتذ به، والداعى إلى ترك الطاعة الكسل والبطالة والمهانة، ولا ريب أن داعى المعصية أقوى.
قالوا: ولأن العصيان قد اجتمع عليه داعى النفس والهوى والشيطان وأسباب الدنيا وقرناءُ الرجل وطلب التشبه والمحاكاة وميل الطبع، وكل واحد من هذه الدواعى يجذب العبد إلى المعصية ويطلب أثره، فكيف إذا اجتمعت وتظاهرت على القلب؟ فأى صبر أَقوى من صبر عن إجابتها؟ ولولا أَن الله يصبره لما تأْتى منه الصبر.
وهذا القول كما ترى حجته فى غاية الظهور، ورجحت طائفة الصبر على الطاعة بناءً منها على أن فعل المأْمور أَفضل من ترك المنهيات، واحتجت على ذلك بنحو من عشرين حجة. ولا ريب أن فعل المأمورات إنما يتم بالصبر عليها، فإذا كان فعلها أفضل كان الصبر عليها أفضل، وفصل النزاع فى ذلك أن هذا يختلف باختلاف الطاعة والمعصية: فالصبر على الطاعة [العظيمة] الكبيرة أفضل من الصبر عن المعصية الصغيرة الدنية، والصبر عن المعصية الكبيرة أفضل من الصبر على الطاعة الصغيرة، وصبر العبد على الجهاد مثلاً أفضل وأعظم من صبره عن كثير من الصغائر، وصبره عن كبائر الإثم والفواحش أعظم من صبره على صلاة [الضحى]
وصوم يوم تطوعاً ونحوه، فهذا فصل النزاع فى المسألة. والله أعلم.