أدب المجالسة والمحادثة في خفض الصوت ، وموضوع الحديث ، وخطاب المتحدث إليه
ومن أدب المجالسة أنك إذا حادثت ضيفك أوأحدا من الناس ، فليكن صوتك لطيفا خفيضا، وليكن جهرك بالكلام على قدر الحاجة، فإن الجهر الزائد عن الحاجة يخل بأدب المتحدث ، ويدل على قلة الاحترام للمتحدث إليه . وهذا الأدب تنبغي مراعاته مع الصديق والمثيل ، ومع من تعرفه ومن لا تعرفه ، ومع الأصغرمنك والأكبر، وتزداد مراعاته تأكيدا مع الوالدين أومن في مقامهما، ومع من تعظمه من الناس الأفاضل والأكابر وإليك بعض النصوص التي تدعو إلى ذلك : ففي القرآن الكريم في وصية لقمان الحكيم رضي الله عنه لابنه :'واغضض من صوتك'. أي : اخفض منه ولا ترفعه عاليا إذا حادثت الناس ، فإن الجهر الزائد بالصوت منكروقبيح . وفي 'صحيح البخاري 'قال عبد الله بن الزبير، بعد أن نزلت آية :'ياأيها الذين آمنوا لا ترفعواصواتكم فوق صوت النبي ، ولاتجهروا له بالقول كجهر به لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لاتشعرون . إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين إمتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم': كان عمربن الخطاب - بعد نزول هذه الاية - إذا حدث النبي صلى الله عليه وسلم بحديث ، حدثه كأخي السرار -أي كالمناجي المتحدث بسر-، لم يسمعه حتى يستفهمه ، يخفض صوته ويبالغ حتى يحتاج إلى استفهامه عن بعض كلامه '. وحكى الحافظ الذهبي رحمه الله تعالى: في ترجمة الإمام محمد ابن سيرين أحد التابعين والأئمة الأجلة الفقهاء: 'قال بكاربن محمد عن عبدالله بن عون : إن محمد بن سيرين ، كان -إذا كان عند أمه - لورآه رجل لا يعرفه : ظن أن به مرضا من خفض كلامه عندها'. وحكى الحافظ الإمام الذهبي أيضا، في ترجمة (عبد الله بن عون البصري ) تلميذ الإمام ابن سيرين وأحد الأئمة الأعلام : 'أن أمه نادته ، فعلا صوته صوتها، فخاف فأعتق رقبتين ' . وقال عاصم بن بهدلة الكوفي المقرىء صاحب القراءة المعروفة: دخلت على عمربن عبد العزيز، فتكلم عنده فرفع صوته ، فقال عمر: مه ، كف ، بحسب الرجل من الكلام ما أسمع أخاه أوجليسه .
|