المتفق على ثبوته هو الإشارة إلى العدد تسعة وتسعين
المتفق على ثبوته هو الإشارة إلى العدد تسعة وتسعين
إن المتفق على ثبوته وصحته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الإشارة إلى العدد تسعة وتسعين الذي ورد في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، لكن لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم تعيين الأسماء الحسنى أو سردها في نص واحد، وهذا أمر لا يخفى على العلماء الراسخين قديما وحديثا والمحدثين منهم خصوصا، إذاً كيف ظهرت الأسماء التي يحفظها الناس منذ قرون ؟!
ثلاثة من رواة الحديث اجتهدوا في جمع الأسماء الحسنى
في نهاية القرن الثاني ومطلع القرن الثالث الهجري حاول ثلاثة من رواة الحديث جمعها باجتهادهم؛ إما استنباطا من القرآن والسنة أو نقلا عن اجتهاد الآخرين في زمانهم؛ الأول منهم وهو أشهرهم وأسبقهم الوليد بن مسلم مولى بني أمية (ت:195هـ)،وهو عند علماء الجرح والتعديل كثير التدليس في الحديث([1]).
والثاني عبد الملك الصنعاني، وهو عندهم ممن لا يجوز الاحتجاج بروايته لأنه ينفرد بالموضوعات ([2]). أما الثالث فهو عبد العزيز بن الحصين، وهو ضعيف ذاهب الحديث كما ذكر الإمام مسلم ([3]).
هؤلاء الثلاثة اجتهدوا فجمع كل منهم قرابة التسعة والتسعين اسما ثم فسر بها حديث أبي هريرة الذي أشار فيه النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا العدد .
ما جمعه الوليد بن مسلم هو الذي اشتهر منذ أكثر من ألف عام
لكن ما جمعه الوليد بن مسلم هو الذي اشتهر بين الناس منذ أكثر من ألف عام فقد جمع ثمانية وتسعين اسما بالإضافة إلى لفظ الجلالة وهي: الرحمنُ الرَّحيم المَلِك القدُّوسُ السَّلاَم المؤمِنُ المهَيمنُ العَزِيزُ الجَبارُ المتكَبِّر الخالِق البارِيءُ المصَوِّرُ الغفارُ القَهَّارُ الوَهَّابُ الرَّزاق الفتاح العَلِيم القَابِضُ الباسِط الخافضُ الرَّافِعُ المعز المذِل السَّمِيعُ البصِيرُ الحَكَم العَدل اللطِيفُ الخَبيرُ الحَلِيم العَظِيم الغفُورُ الشكُورُ العَلِيُّ الكَبيرُ الحَفِيظُ المقِيت الحَسِيبُ الجَليل الكَرِيم الرقِيبُ المجِيبُ الوَاسِعُ الحكِيم الوَدُودُ المَجِيدُ الباعِث الشهِيدُ الحَق الوَكِيل القَوِيُّ المَتِينُ الوَلِيُّ الحَمِيدُ المحْصِي المبدِيءُ المعِيدُ المحْيي الممِيت الحَيُّ القَيُّوم الوَاجِدُ المَاجِدُ الوَاحِدُ الصَّمَدُ القَادِرُ المقتدِرُ المقَدِّم المؤَخِّرُ الأوَّل الآخِرُ الظاهِرُ الباطِنُ الوَالِي المتعالِي البرُّ التوَّابُ المنتقم العَفُوُّ الرَّءُوف مَالِكُ الملكِ ذُو الجلالِ وَالإكْرَامِ المقسِط الجَامِعُ الغنِيُّ المغنِي المَانِعُ الضَّارُّ النافِعُ النورُ الهَادِي البدِيعُ الباقِي الوَارِث الرَّشِيدُ الصَّبُور ([4]).
الأسماء التي كان يحدث بها الوليد لم تكن متطابقة في كل مرة
ولننظر كيف اشتهرت الأسماء التي اجتهد الوليد بن مسلم في جمعها ؟!
كان الوليد كثيرا ما يحدث الناس بحديث أبي هريرة رضي الله عنه المتفق عليه والذي يشير إجمالا إلى إحصاء تسعة وتسعين اسما ثم يتبعه في أغلب الأحيان بذكر الأسماء التي توصل إليها باجتهاده كتفسير شخصي منه للحديث .
وقد نقلت عنه مدرجة مع كلام النبي صلى الله عليه وسلم وألحقت أو بمعنى آخر ألصقت بالحديث النبوي، وظن أغلب الناس بعد ذلك أنها نص من كلام النبي صلى الله عليه وسلم فحفظوها وانتشرت بين العامة والخاصة حتى الآن .
ومع أن الإمام الترمذي لما دون تلك الأسماء في سننه مدرجة مع الحديث النبوي نبه على غرابتها، وهو يقصد بغرابتها ضعفها وعدم ثبوتها كما ذكر ذلك الشيخ الألباني رحمه الله .
بل من الأمور العجيبة التي لا يعرفها الكثيرون أن الأسماء التي كان الوليد بن مسلم يذكرها للناس لم تكن واحدة في كل مرة، ولم تكن متطابقة قط، بل يتنوع اجتهاده عند الإلقاء فيذكر للناس أسماء أخرى مختلفة عما ذكره في اللقاء السابق، فالأسماء التي رواها عنه الطبراني وضع الوليد فيها القائم الدائم بدلا من القابض الباسط اللذين وردا في رواية الترمذي المشهورة، واستبدل أيضا الرشيد بالشديد، والأعلى والمحيط والمالك بدلا من الودود والمجيد والحكيم .
وأيضا فإن الأسماء التي رواها عنه ابن حبان وضع فيها الرافع بدلا من المانع في رواية الترمذي، وما رواه عنه ابن خزيمة وضع فيه الحاكم بديلا عن الحكيم والقريب بديلا عن الرقيب، والمولى بديلا من الوالي، والأحد مكان المغني .
وفي رواية البيهقي استبدل الوليد المقيت بديلا من المغيث، ورويت عنه أيضا بعض الروايات اختلفت عن رواية الترمذي في ثلاثة وعشرين اسماً ([5])، والعجيب أن الأسماء المدرجة عند الترمذي هي المشتهرة فقط .
اتفق الحفاظ من أئمة الحديث على أن الأسماء المشهورة لم يرد في تعيينها حديث صحيح
والقصد أن هذه الأسماء التي يحفظها الناس ليست نصا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وإنما هي ملحقة أو ملصقة أو كما قال المحدثون مدرجة مع قول النبي صلى الله عليه وسلم : (إن للهِ تِسْعَة وَتِسْعِين اسْمَا مِائة إلا وَاحِدًا) . وهذا أمر قد يكون غريبا على عامة الناس لكنه لا يخفى على أهل العلم والمعرفة بحديثه صلى الله عليه وسلم قال ابن حجر: (والتحقيق أن سردها من إدراج الرواة) ([6]) . وقال الأمير الصنعاني: (اتفق الحفاظ من أئمة الحديث أن سردها إدراج من بعض الرواة) ([7]).
وقال ابن تيمية عن رواية الترمذي وابن ماجه: (وقد اتفق أهل المعرفة بالحديث على أن هاتين الروايتين ليستا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وإنما كل منهما من كلام بعض السلف) ([8]) .
وقال أيضا: (لم يرد في تعيينها حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم وأشهر ما عند الناس فيها حديث الترمذي الذي رواه الوليد بن مسلم عن شعيب عن أبي حمزة، وحفاظ أهل الحديث يقولون: هذه الزيادة مما جمعه الوليد بن مسلم عن شيوخه من أهل الحديث، وفيها حديث ثان أضعف من هذا رواه ابن ماجه، وقد روي في عددها غير هذين النوعين من جمع بعض السلف) ([9]) .
وقد ذكر أيضا أنه إذا قيل بتعيينها على ما في حديث الترمذي مثلا ففي الكتاب والسنة أسماء ليست في ذلك الحديث مثل اسم الرب فإنه ليس في حديث الترمذي، وأكثر الدعاء المشروع إنما هو بهذا الاسم، وكذلك اسم المنان والوتر والطيب والسبوح والشافي؛ كلها ثابتة في نصوص صحيحة؛ وتتبع هذا الأمر يطول ([10]) .
ولما كان هذا حال الأسماء الحسنى التي حفظها الناس لأكثر من ألف عام، وأنشدها كل منشد، وكتبت على الحوائط في كل مسجد، فلا بد من تنبيه الملايين من المسلمين على ما ثبت فيها من الأسماء وما لم يثبت، ثم تعريفهم بالأسماء الحسنى الصحيحة الثابتة في الكتاب والسنة ؟ وكيف يمكن أن نتعرف عليها بسهولة ؟ وسوف نذكرها إن شاء الله بأدلتها ومعانيها، وكيف ندعو الله بها ؟ .
أجمع العلماء على أن الأسماء الحسنى توقيفية على النص
اتفق علماء الأمة على اختلاف مذاهبهم أنه يجب الوقوف على ما جاء في الكتاب وصحيح السنة بذكر أسماء الله نصا دون زيادة أو نقصان؛ لأن أسماء الله الحسنى توقيفية لا مجال للعقل فيها؛ فالعقل لا يمكنه بمفرده أن يتعرف على أسماء الله التي تليق بجلاله؛ ولا يمكنه أيضا إدراك ما يستحقه الرب عز وجل من صفات الكمال والجمال؛ فتسمية رب العزة والجلال بما لم يسم به نفسه قول على الله بلا علم، وهو أمر حرمه الله عز وجل على عباده .
قال ابن حزم: (لا يجوز أن يسمى الله تعالى ولا أن يخبر عنه إلا بما سمى به نفسه أو أخبر به عن نفسه في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم أو صح به إجماع جميع أهل الإسلام المتيقن ولا مزيد، وحتى وإن كان المعنى صحيحا فلا يجوز أن يطلق عليه تعالى اللفظ .
وقد علمنا يقينا أن الله عز وجل بنى السماء فقال: }وَالسَّمَاءَ بنيْناهَا { [الذاريات:47]، ولا يجوز أن يسمى بناء، وأنه تعالى خلق أصباغ النبات والحيوان وأنه تعالى قال: } صِبغةَ اللهِ وَمَنْ أحْسَنُ مِن اللهِ صِبغة { [البقرة:138]، ولا يجوز أن يسمى صباغا، وأنه تعالى سقانا الغيث ومياه الأرض ولا يسمى سقاء ولا ساقيا، وهكذا كل شيء لم يسم به نفسه) ([11]).
وقال الإمام النووي: (أسماء الله توقيفية لا تطلق عليه إلا بدليل صحيح) ([12]) .
واحتج الإمام الغزالي على أن الأسماء الحسنى توقيفية بالاتفاق على أنه لا يجوز لنا أن نسمي رسول الله صلى الله عليه وسلم باسم لم يسمه به أبوه ولا سمى به نفسه، وكذا كل كبير من الخلق، قال: فإذا امتنع ذلك في حق المخلوقين فامتناعه في حق الله أولى ([13]) .
وقال الإمام السيوطي: (اعلم أن أسماء الله تعالى توقيفية بمعنى أنه لا يجوز أن يطلق اسم ما لم يأذن له الشرع، وإن كان الشرع قد ورد بإطلاق ما يرادفه) ([14]) .
وقال أبو القاسم القشيري: (الأسماء تؤخذ توقيفا من الكتاب والسنة والإجماع، فكل اسم ورد فيها وجب إطلاقه في وصفه، وما لم يرد لم يجز ولو صح معناه) ([15]) .
وقال ابن الوزير المرتضى: (فأسماء الله وصفاته توقيفية شرعية، وهو أعز من أن يطلق عليه عبيده الجهلة ما رأوا من ذلك، فلا يجوز تسميته رب الكلاب والخنازير ونحو ذلك من غير إذن شرعي، وإنما يسمى بما سمى به نفسه) ([16]) .
والأقوال في ذلك كثيرة يعز إحصاؤها وكلها تدل على أن عقيدة أهل السنة والجماعة مبنية على أن الأسماء الحسنى توقيفية، وأنه لا بد في كل اسم من دليل نصي صحيح يُذكر فيه الاسم بلفظه، ومن ثم فإن دورنا تجاه الأسماء الحسنى الجمع والإحصاء ثم الحفظ والدعاء وليس الاشتقاق والإنشاء .
------------------------------------------
(1) تقريب التهذيب لابن حجر 2/336 .
(2) الكاشف للذهبي 2/214 .
(3) الضعفاء والمتروكين 2/109.
(4) الترمذي (3507)، وانظر ضعيف الجامع (1943) .
(5) فتح الباري 11/216 .
(6) بلوغ المرام ص346 .
(7) سبل السلام 4/108 .
(8) دقائق التفسير 2/473 .
(9) الفتاوى الكبرى 1/217 .
(10) السابق 1/217 .
(11) الفصل2/108 .
(12) شرح النووي7/188 .
(13) فتح الباري11/223 .
(14) شرح سنن ابن ماجة 1/275 .
(15) سبل السلام 4/109 .
(16) إيثار الحق 1/314 .