حب الملائكة ومصاحبتهم
المتفكر في مخلوقات لله يقر بعظمته، ويذعن لأوامره، خاصة إذا علم أن لله خلقا لا يفعلون شيئا إلا عبادته، ليس لهم إلا الانقياد التّام لأمره عز وجل، والقوة على تنفيذه. يعبدون الله وحده ولا يعصونه فيما يأمرهم به. يقولون ما أمرهم به، ويعملون بما أمرهم؛
يقول الله عنهم:
{لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ، يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ}
[الأنبياء:٢٧-٢٨]
وهم في سريرتهم وعلانيتهم لا يستنكفون أن يكونوا عبيداً لله، بل هم معترفين بعبوديتهم كما أخبر الله تعالى عنهم في القرآن الكريم بقوله:
{لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ}
[النساء: ]
هؤلاء هم الملائكة، خلق من مخلوقات الله، والإيمان بهم هو الركن الثاني من أركان الإيمان في الإسلام، ولا يصح إيمان العبد حتى يقرّ به، فيؤمن بوجودهم، وبما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية من صفاتهم وأفعالهم.
هم جندٌ من جنود الله، يختلفون عن البشر؛ فلا يأكلون ولا يشربون، وإنما طعامُهم التسبيح والتهليل، ولا يملون، ولا يفترون، ولا يتعبون، ويتَّصِفون بالحسن والجمال، والحياء والنظام، وبأنهم جُبِلوا على الطاعة وعدم العصيان، خلَقهم الله لعبادته وتنفيذ أوامره،
قال تعالى عنهم:
(وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ * يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ}
[الأنبياء: 26- 28]
وعلاقتهم ببني آدم علاقة وطيدة من أول أن خلق الله أبا البشر سيدنا آدم –بصفة عامة –ولاقة بكل مؤمن بوجه خاص.
فبصفة عامة: -
نجد أن أعمالهم مرتبطة بنظام الكون الذي يعيش فيه الناس كما أمرهم الله به فمنهم: -
1- الموكل بالوحي من الله تعالى إلى رسله وهو: جبريل الأمين عليه السلام.
2- الموكل بالقطر (المطر) والأرزاق وتصاريفهم وهو: ميكال أو ميكائيل عليه السلام.
3- الموكل بالصور ونفخه وهو: إسرافيل عليه السلام
4- حفظ بني آدم، وهو من وظيفة الملائكة المعقِّبات.
5- حفظ أعمال بني آدم، وهو من وظيفة الكِرام الكاتبين.
بصفة خاصة: -.
نجد ان علاقة الملائكة بالمؤمنين علاقة قوية، إذ تجمعهم رابطة الإيمان، وهم
1- يحبون المؤمنين الصادقين في إيمانهم كما في الحديث
{{ -أي: يحبه جبريل-ثم ينادي جبريل في السماء: إن الله قد أحب فلاناً فأحبوه فيحبه أهل السماء، ويوضع له القبول في الأرض}}
2- ملازمة المسلم في طاعته فإذا ذهب إلى المسجد للصلاة، يقول ملك بجوارك: "اللهم اغفر له، اللهم احفظه"، لا يتركه حتى ينصرف،" وإذا أنفق من مال الله شيئًا لوجه الله، يقول ملك من
قيل الله - تعالى -:
((اللهم آتِ منفقًا خلفًا))
وهكذا كلما هممت بطاعة ابتغاءَ وجه الله – تعالى. وغير هذا من الأعمال التي تشترك فيها الملائكة مع المؤمنين خاصة.
وفي نهاية المطاف في الحياة الدنيا، فإن الإنسان إذا احتضر ورقد رقدة الموت، يأتيه ملك الموت بنزع الروح،
كما قال تعالى:
﴿ قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ ﴾
[السجدة: 11]
3- وفي القبر رُوي أن ملكًا من قِبَل الله -تعالى -يأتي إلى الإنسان ويريه مقعده في الجنة أو النار، وذلك في نهاية سؤال القبر.
4- ويوم البعث ستخرج من قبرك فتجد ملكًا من قِبَل الله يأخذك ويوقفك في المكان الذي يريده الله لك، أو يسوقك إلى موقفك المناسب
﴿ وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ ﴾
[ق: 21]
5- ثم عند الحساب يوم ينفع الصادقين صدقهم، تأتي الملائكة شفعاء - بإذن الله - ولكنَّهم
كما قال - تعالى -:
﴿ لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا ﴾ [مريم: 87]، ﴿ وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى ﴾
[النجم: 26].
6- وبعد الحساب، إما جنة وإما نار، فبالنسبة لأهل الجنة:
﴿ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ ﴾
[الرعد: 23]
أما أهل النار، فسيجدون التوبيخ اللائق بهم:
﴿ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا ﴾
[الزمر: 71]
ثم بعد ذلك يتلفتون في النار لعلهم يجدون مخرجًا منها، فينادون على خازن جهنم:
﴿ وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ ﴾
[الزخرف: 77].
فليبادر كل مسلم بحب الملائكة، وليراعي الله فيهم فلا يؤذيهم فإنهم –كما قال رسول الله – يتأذون مما يتأذى منه بنوا آدم"، وليتقرب بحبهم لله وإلا فيكون كافرا
قال تعالى
{قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ. مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ}
(البقرة، 98).