القرآن خطة حياة من الدنيا إلى الآخرة
إن القرآن العظيم قد اشتمل على الكثير الطيب من مصالح المعاش والمعاد، وأحاط بمنافع الدنيا والدين، تارة إجمالا، وتارة عموما، وتارة خصوصا، ولهذا يقول سبحانه وتعالى: ما فرطنا في الكتاب من شيء.
يقول عز وجل:
{وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ}
[يــس:12]
ويقول تبارك وتعالى:
{وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ}
[النحل:89]
، ونحو ذلك من الآيات الدالة على اشتمال القرآن لكلِّ مناحي الحياة الإنسانيَّة؛ فهو كتاب الدِّين كلِّه، والدنيا أيضًا.
فتحدَّث عن كلِّ الجوانب التي يحتاج الإنسانُ إليها؛ وخاصة في الجوانب الدِّينية والتعبُّدية؛ لأنَّها مجا لاتٌ متعدِّدة لذلك شَمِلَها القرآن في ثنايا حديثه وآياته:- فتكلم القرآن عن بداية الإنسان، من أصل خلقته، أي حين خلق الخالق سبحانه سيدنا آدم عليه السلام،
قال تعالى:
{الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِنْ طِينٍ} [السجدة 7]، قال تعالى: { إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ}
[ص 71 -72]
، والسجود هنا سجود تحيه وإكرام وليس سجود عباده،
قال تعالى:
﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ﴾
[فاطر 11]
، وهذه كلها إشارات ودلالات على بداية خلق الإنسان وهو سيدنا آدم عليه السلام. - ثم أشار إلى تكاثر البشر
فقال تعالى
{الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً}
[النساء 1].
- ثم ذكر الله لنا أخلاقيات وآداب تفيدنا في آخرتنا وتفيدنا في حياتنا ومواقفها،
منها قوله تعالى:
{وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}
[البقرة 155 :157]
وقوله تعالى:
{وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنً}
[البقرة 83]
، أي: كلموهم طيبا،
وقال تعالى
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ}
[الحجرات 11]
، وهنا نهي عن السخرية،
وقوله تعالى:
{ الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}
[آل عمران 134]
وقوله تعالى
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَى}
[البقرة 246]
، والمن والأذى يكون أثره سيء على النفس،
وقوله أيضا:
{وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا }
[الإسراء 23]
، ويكون الإحسان للوالدين بكل الأقوال والافعال الحسنه،
وقوله تعالى:
{وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}
[البقرة 283].
- الجوانب الاجتماعية في القرآن: -
{ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ - بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا}
[النساء 36]
وقوله:
{وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى}
، أي: الجار ذو القرابة،
وقوله
{ وَالْجَارِ الْجُنُبِ }
، أي: الذي ليس بينك وبينه قرابه،
وقوله
{ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ}
أي: الرفيق وابن السبيل أي المسافر.
فالأرحام هم الأقارب من جهة الأم ومن جهة الأب، فالآباء والأمهات والأجداد والجدات وأولادهم والعمات والخالات والأعمام والأخوال، وكلهم داخلون
في قوله تعالى:
{وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ}
[الأنفال 75]
وقوله تعالى
{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ}
[النحل 90]
، وهنا إشارة إلى الإحسان بذي القربى.
- الجوانب التنظيمية في القرآن: جاء القرآن منظماً وحافظاً للحقوق
قال تعالى:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}
[المائدة 1]
، أي: العهود
{وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ}
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ}
[البقرة 282]،
وقوله تعالى:
{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}
[البقرة 275]
، والربا: هو الزيادة على رأس المال،
وقال تعالى:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}
[آل عمران 130]
، ومن فوائد تحريم الربا أن لا يستغل بعض الناس حاجات الآخرين ويأخذوا زيادة في المال من غير وجه حق.
- حتى نهاية العمر ومصير الإنسان إما إلى جنة وإما إلى النار،
قال تعالى:
{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ۗ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ}
[آل عمران185]
هذه هي نهاية الإنسان على هذه الأرض وعند انتهاء هذه الحياة لن تكون النهاية فبعدها البداية الأبدية: -
· إما جنة النعيم:
{وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ}
[إبراهيم 23]
وقال تعالى
{ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَٰلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ لَهُم مَّا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ}
[ق 34- 35]
· أو عذاب الجحيم:
{ذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ من النار}
[البقرة 167]
وقال تعالى:
{وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ}
[المائدة 10].