النَّفْس في القرآن
النَّفْس هي ذات الإنسان المسؤولة عن أفعاله واهتماماته وطبيعة شخصيته، وتسيطر على حركاته وسكناته، وهي القوة العاقلة المدركة فيه.
ولتكْمُل النفس البشرية، وتتحقّق طمأنينتها وسعادتها، وليكون الإنسان فاضلًا؛ لا بد أن تتبع كتاب خالقها وهدي بارئها، فهو الذي خلق «النفس»، وهو -سبحانه-الأعلم بالنفوس، وهو الذي بيَّن للنفس طريق الهداية وطريق الضلال؛ لأجل ذلك ينبغي الرجوع إلى الوحي لمعرفة كيفية التعامل مع النفس البشرية، وكيفية توجيهها، وعلاجها من الأمراض، أو تربيتها وتزكيتها، والسعي في خلاصها ونجاتها في الآخرة من العذاب وفوزها بالجنة.
ولمَّا كانت وظيفة الإنسان في هذه الحياة الدنيا هي حمل «الأمانة» التي أشفقت منها السموات والأرض والجبال، وهي التكليف، وكانت الغاية الكبرى من وجود الإنسان على سطح هذا الكوكب هي «العبادة»؛ فإن الله -تقدست أسماؤه -قد خلق الإنسان في أحسن تقويم، ومنَحه وسائل الإدراك والأجهزة التي تُعينه على حمل أعباء الخلافة وعمارة الأرض وفق المنهاج الرباني المنزَّل من السماء لحركة الحياة، ولم يُكلِّفه إلا ما يطيق؛
{لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إلَّا وُسْعَهَا}
[البقرة: 233].
ولأجل ذلك، فإن النفس البشرية مسؤولة أمام الله تعالى؛
{وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}
[النحل: 93].
وهي حُرّة في اختيار الطريق الذي تريده؛ إما طريق الهدى أو طريق الضلال؛
{وَقُلِ الْـحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}
[الكهف: 29].
{مَنْ عَمِلَ صَالِـحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا}
[فصلت: 46].
وهي بذلك الاختيار ستجد جزاءها يوم القيامة؛
قال الله تعالى: {الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ}
[غافر: 17]
وقال تعالى:
{يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا}
[آل عمران: 30].
ولقد أبرز القرآن العظيم صفات النفس الإنسانية في عددٍ كثير من الآيات القرآنية؛ ومن أهم هذه الصفات ما يلي:
- إن النفس تَعرف الخير والشر؛ لأنها تُميِّز بينهما؛ إذ منحها الله تعالى القدرة على معرفة التقوى، ومعرفة الفجور؛
قال تعالى:
{وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا}
[الشمس: 7 -10].
- إن النفس هي التي توسوس لصاحبها، وتُحدِّثه بالخير والشر، وهذه الوساوس لا يُحاسَب الإنسان عليها ما لم يقلها أو يفعلها؛
قال الله تعالى:
{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ}
[ق: 16].
- إنها تَظلم ذاتها وتَظلم غيرها؛
قال تعالى:
{وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الأَرْضِ لافْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَـمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ}
[يونس: 54]
وقال تعالى:
{وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا}
[طه: ١١١].
- إنها تأمر بالسوء؛ لأن النفس تميل بطبعها إلى الشر أكثر من ميلها إلى الخير؛ قال تعالى على لسان امرأة العزيز:
{إنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي}
[يوسف: 53].
ومن اللافت للنظر أن النفس البشرية تعاني من أمراض متنوِّعة، جُلُّها يتعلق بالناحية المعنوية والأخلاقية، وهي في مُجملها تؤذي الناس في الدنيا، وتؤول بهم إلى الخسارة في الآخرة. ولذلك تحتاج إلى علاج، وعلاجها في اتّباع أوامر الشرع التي تضمَّنها الكتاب والسُّنة، وتجنُّب المحرمات.
وعلى العموم، فإن الذي يتبّع تعاليم الإسلام وشرائعه وأحكامه، سوف يرى بأنها تُولي اهتمامًا خاصًّا لمعرفة النفس، وتدعو إلى تربيتها وتزكيتها، وتهذيب طباعها، وتقويم ما فيها من اعوجاج، وذلك لكَبْح جماحها عن الشر انتهاءً واستسلامًا، ودفعها إلى الخير امتثالاً واستجابةً.