الإيمان بالملائكة واستشعار مصحابتهم
الملائكة عباد الله اختارهم واصطفاهم، ولهم مكانة عند ربهم ، فالإيمان بهم ركن من أركان الإيمان، لا يصلح ولا يصح إيمان العبد بدونه، ولكن أغلب الناس لا يستشعرون هذا الركن، هم يصدقونه لكن لا يستشعرونه، مع انه من أركان الإيمان، أي لابد من استشعاره للتصديق به، فالإيمان بالملائكة أمر ليس له صدى ولا اثر في حياتهم، وليس لهذا الأمر أي مظهر في تعاملهم وأحوالهم،
فأكثر الناس يؤمنون بالملائكة وانتهى الأمر عندهم عند هذا الحد لا يتعداه !!
إنما لابد من استشعار أن الملائكة لهم مع الإنسان صحبة طويلة وأمد كبير، إنها صحبة تبدأ منذ تكويننا كأجنة ونحن أجنة في بطون أمهاتنا، وتستمر حتى أخر لحظات حياتنا على ظهر هذه الأرض، بل وتستمر حين نوضع في القبر، وتظل حتى نُجمع ونحشر عند ربنا يوم القيامة؟ وتدوم حتى يدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار.
انها علاقة وثيقة بيننا وبين الملائكة تبدأ منذ اللحظة التي يتم تخليقنا فيها ونحن أجنة في بطن أمهاتنا، ولنعلم أننا لا تفارق الدنيا إلى رحلة الدار الآخرة إلا عن طريق الملائكة الموكلة بذلك.
فما هي العلاقة التي بيننا وبين الملائكة ونحن أجنة في بطون أمهاتنا،
يقول انس بن مالك رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
((وكّل الله بالرحم ملكا، فيقول: أي رب نطفة؟ أي رب علقة؟ أي رب مضغة؟ فإذا أراد الله أن يقضى خلقها، قال: أي رب ذكر أم أنثى؟ أشقي أم سعيد؟ فما الرزق؟ فما الأجل؟ فيكتب ذلك في بطن أمه))
، وهذه هي بداية علاقتك بالملك...
وما هي العلاقة التي بيننا وبين الملائكة عند مفارقة الدنيا؟
اسمع إلى قول ربك:
﴿ قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ ﴾
[السجدة 11]
وقال سبحانه:
﴿ وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً حَتَّىَ إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ ثُمَّ رُدُّواْ إِلَى اللّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ أَلاَ لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ ﴾
[الأنعام 61].
وما بين هاتان المرحلتان أمور يستشعر فيها المؤمن وجود الملائكة معه، من خلال توفيق الله لهم في أمورهم؛ فيجدوا أمورهم ميسرة، ومقضية، وسلسة، وكثيرًا من المصاعب تبتعد عنهم، وكثيرًا من المصائب تجانبهم، ويدفعون الأذى عنه؛ ويدفعون عنه كيد الكائدين، ويردون عنه حقد الحاقدين، فينتقم الله من عدوِّهم، ويخذله، ويكله إلى نفسه، ويصير إلى ذل،
إن الملائكة تأوي إلى قلوب المؤمنين؛ لأنها خلقت من نور، وقلوب المؤمنين مليئة بالنور... نور الوحي، الذي يهديهم في الدنيا في ظلمات المعاصي والفتن، ويضيء لهم في الآخرة في المحشر وعلى الصراط،
كما قال الله سبحانه:
{يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ}
[الحديد: 12، 13].
وهذا النور من القوة الكافية لدحر أي شيطان، وكشف أي ظلمة.
، والمؤمن الذي يعبد الله، ويتبع رضوانه لا مناص له من أن يتولى الملائكة بالحب والتوقير، ويتجنب كل ما من شأنه أن يسيء إليهم ويؤذيهم مثل: -
- البعد عن الذنوب والمعاصي:
أعظم ما يؤذي الملائكة الذنوب، والمعاصي، والكفر، والشرك، ولذا فإن أعظم ما يُهْدَى للملائكة ويرضيهم أن يخلص المرء دينه لربه، ويتجنب كل ما يغضبه. ولذا فإنَّ الملائكة لا تدخل الأماكن والبيوت التي يعصى فيها الله تعالى، أو التي يوجد فها ما يكرهه الله يبغضه، كالأنصاب، والتماثيل، والصور، ولا تقرب من تلبس بمعصية كالسكران.
- الملائكة تتأذى مما يتأذى منه ابن آدم:
ثبت في الأحاديث الصحيحة أن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم، فهم يتأذون من الرائحة الكريهة، والأقذار، والأوساخ،
عن جابر بن عبد الله عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال:
«من أكل الثوم، والبصل، والكراث، فلا يقربنّ مسجدنا؛ فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم».
- النهي عن البصاق عن اليمين في الصلاة:
نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن البصاق عن اليمين في أثناء الصلاة؛ لأن المصلي إذا قام يصلي يقف عن يمينه ملك، ف
في صحيح البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
«إذا قام أحدكم إلى الصلاة، فلا يبصق أمامه، فإنما يناجي الله ما دام في مصلاه، ولا عن يمينه؛ فإن عن يمينه ملكاً، وليبصق عن يساره، أو تحت قدمه فيدفنها».
وعلى المسلم أن يحب جميع الملائكة، فلا يفرق في ذلك بين ملك وملك؛ لأنهم جميعًا عباد الله عاملون بأمره، تاركون لنهيه، وهم في هذا وحدة واحدة، لا يختلفون ولا يفترقون.
وقد زعم اليهود أن لهم أولياء وأعداء من الملائكة، وزعموا أن جبريل عدو لهم، وميكائيل ولي لهم، فأكذبهم الله تعالى -في مدعاهم -وأخبر أن الملائكة لا يختلفون فيما بينهم:
{قُلْ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّلّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ}
[البقرة: 97-98].
فأخبر سبحانه أن الملائكة كلهم وحدة واحدة فمن عادى واحدًا منهم، فقد عادى الله وجميع الملائكة، أمّا تولي بعض الملائكة ومعاداة بعض آخر، فهي خرافة لا يستسيغها إلا مثل هذا الفكر اليهودي المنحرف، وهذه المقولة التي حكاها القرآن عن اليهود عذر واهٍ عللوا به عدم إيمانهم، فزعموا أن جبريل عدوهم؛ لأنّه يأتي بالحرب والدمار، ولو كان الذي يأتي الرسول صلى الله عليه وسلم ميكائيل لتابعوه.
فما أحوجنا إلى استشعار تلك المعاني الإيمانية ليزداد يقيننا ويصح إيماننا.