حقوق الجار
فإن الناس في هذه الأيام يعانون من انفلات عن الدين، وتأثر بأحوال غير المسلمين، وقد أخبرنا بهذا الصادق الذي لا ينطق عن الهوى حين
قال ((عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه،
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر، وذراعاً بذراعٍ حتى لو دخلوا جُحر ضبٍّ لتبعتموهم". قلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ " قال: "فمن؟
فلما غيّب الناس الدين انقلبت الموازين عندهم في حياتهم، فلم يعد ما كان أصلا إلا فرعا، وتنوسيت الفروع، وغابت القواعد عن التطبيق، وأصبحت هناك مفاهيم مغلوطة تؤثر في بناء مجتمعنا بشكل كبير.
ومن طبيعة الحياة مخالطتنا لناس معنا، فلا غِنى لأحد منا عن الناس من حوله؛ فجاءت شريعة الإسلام وضبطت تلك العلاقات بين الناس، وجعلت لكل علاقة حقا، بعضها ما زال موجودا، والبعض ضيّعه الناس ولم يهتموا به.
ومن تلك الحقوق الغائبة عن دنيا الناس حق الجار، فإنه حق تنوسيت أصوله خاصة في زمان انقطاع التواصل وانعدام الصلات، فلا يعرف الجار جاره ولا يعرف أبنائه، ولا يعرف أحواله، بل ولا يعرف أهو حي أم مات، وغير هذا مما تفسخّت به العلاقات، وتقطّعت به الصلات.
فكان لابد من التعرف على أهممية هذا الحق ومكانته في المجتمع، وكم خسر المجتمع من فقجه.
فبحق الجوار في الإسلام أهمية قصوى ومكانة عظمى فهو وصية الله عز وجل، أوصى الإسلام بالجار وأعلى من قدره ، فللجار في ديننا حرمة مصونة ، وحقوق مرعية ، حيث قرن المولى سبحانه وتعالى الإحسان إلى الجار بعبادته وتوحيده فقال عز من قائل
[وَاعْبُدُوا اللهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي القُرْبَى وَاليَتَامَى وَالمَسَاكِينِ وَالجَارِ ذِي القُرْبَى وَالجَارِ الجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا]
{النساء:36} .
فلابد من الإحسان للجار -سواء أكان قريبا أم بعيدا –فهو حق يأخذ حكم الوجوب.
أما وصية رسوله صلى الله عليه وسلم فقد جاءت في صورة جليلة وتعبير مستفيض يجلي مكانة وحق الجار في الإسلام،
أخرج الإمام احمد في مسنده عن رجل من الأنصار قال :
خرجت مع أهلي أريد النبي صلى الله عليه وسلم وإذ به قائم ، وإذا رجل مقبل عليه، فظننت أن له حاجة ، فجلست ، فو الله لقد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جعلت أرثي له من طول القيام ، ثم انصرف ، فقمت إليه فقلت يا رسول الله لقد قام بك هذا الرجل حتى جعلت أرثي إليك من طول القيام ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أتدري من هذا ؟ قلت : لا ، قال صلى الله عليه وسلم : جبريل مازال يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه.
فالجار هو من جاورك في دارك سواء أكان مسلماً أو كافراً، براً أو فاجراً، صديقاً أو عدواً، محسناً أو مسيئاً، قريباً أو بعيداً، وليس للجار ضابط من عدد أو غيره، والمرجع في ذلك إلى عرف الناس ، فكل من عده الناس جاراً لك فهو جار تجب له حقوق الجوار.
والجيران ثلاثة:
1- جار له ثلاثة حقوق.
2- جار له حقان.
3- جار له حق واحد.
-فأما الجار الذي له ثلاثة حقوق فهو الجار المسلم القريب : له حق الإسلام وحق القرابة وحق الجوار.
-والجار الذي له حقان هو الجار المسلم، له حق الإسلام وحق الجوار.
فالجوار حق اجتماعي لا يشترط فيه الديانة.
وقد ورد أن الرسول ﷺ علّم أصحابه أن يحسنوا إلى جيرانهم،
فحين كانت تُذبح لعبد الله بن عمرو شاة في أهله، ويجيء إليهم، فيقول لهم: أهديتم لجارنا اليهودي؟ أهديتم لجارنا اليهودي؟ سمعت رسول الله ﷺ يقول: “ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه”.
- والجار الذي له حق واحد هو الكافر له حق الجوار فقط
وقد جاء هذا في حديث جابر بن عبد الله أن رسول الله -ﷺ- قال:
الجيران ثلاثة؛ جار له حق واحد وهو أدنى الجيران حقا، وجار له حقان، وجار له ثلاثة حقوق وهو أفضل الجيران حقا؛ فأما الجار الذي له حق واحد فالجار المشرك لا رحم له، وله حق الجوار، وأما الذي له حقان فالجار المسلم لا رحم له، له حق الإسلام وحق الجوار، وأما الذي له ثلاثة حقوق فجار مسلم ذو رحم له حق الإسلام وحق الجوار وحق الرحم، وأدنى حق الجوار أن لا تؤذي جارك بقتار قدرك إلا أن تقدح له منها”.
واهتم الإسلام بهذا الحق من وجهة نظر اجتماعية بجوار النظرة الدينية: -
- بل نجد الحث النبوي على الإحسان للجار ويجعل خير الجيران خيرهم لأصحابه؛
فعن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي ﷺ أنه قال:
“خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره” ويتعدى الأمر لما هو أكبر من ذلك فالجار يتفقد جاره، وينبغي ألا يشبع وجاره جائع فعن عمر قال: قال رسول الله ﷺ “لا يشبع الرجل دون جاره”.
وهذا ممَّا يؤكِّد العلاقة الوثيقة والخطيرة بين خُلق إكرامِ الجار والإيمان، وأنَّها علاقةٌ وشيجة، هامَّة قويَّة، يجب أن تكون متينة،
عَن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
((مَنْ كَانَ يُؤمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ، فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَو لِيَصْمُتْ، وَمَنْ كَانَ يُؤمِنُ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ، فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ، ومَنْ كَانَ يُؤمِنُ بِاللهِ واليَومِ الآخِرِ، فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ)).
بل هي علاقة ترابطيَّة؛ بحيث إذا ماتَت هذه الفضيلة - فضيلة إكرام الجار، التي أقلها عدم إيذائه - مات معها الإيمانُ عن صاحبه.
وإذا كان عدَم إيذاء الجار يُعدُّ قيمة أخلاقيَّة إسلاميَّة نبوية جميلة، فما بالك بالإحسان إليه؟
للجار على الجار في القِيم الإسلاميَّة حقوق كبيرة.
للجار على الجار في الآداب الشرعيَّة حقوقٌ تُشبه حقوقَ الأرحام؛ وهو الشيء الذي يَلفِتُ النَّظر.
من هذه الحقوق:
- المواصلة بالزِّيارة.
- التهادي - أن يُهدي كلٌّ منهم إلى الآخر هديَّةً تعبيرًا عن المودَّة.
- العيادة حين المرض. المواساة حين المصيبة
- المعونة حين الحاجة.
وإذا كان للجار حقوق قد خصَّها الشرع وأمر بها وحثَّ عليها لدرجةٍ تُشبه حقوق الأرحام، فإنَّه ومن باب أولى أن يكون الحق الأكبر هو دَفع الأذى عنه؛ فهو مُقدَّم على تقديم النَّفع من التهادي والزيارة وغيرها.
فهيا بنا لكي نقطف ثمار الإسلام، ولنبادر الآن إلى قطع لسانَ الجار، فكيف نقطعه؟
بالإحسان إليه، ومقابلة الإساءة بالإحسان، حتى يصبحُ صالحًا؛ فالسيِّئ إذا أحسَنتَ إليه حجَّمتَه، حجَّمته وأربَكتَه وأسكنتَ لسانه.
فلنبدأ من هذا اليوم بالإحسان إلى جيراننا والقيام بحقوقهم، ولنطرح الحقد والحسدَ جانبا، ولنُنَقِّ أنفسنا وضمائرنا من كلّ ما يكدّر صفو العلاقة مع جيراننا، ومن كان منا بينه وبين أحد من جيرانه نزاع أو خصومة فليُدخل بينها من جيرانه من يكون سببا في إصلاح ما فسد.