الإيمان أولا


مجدي الهلال

.. إذن فالمربي الناجح هو الذي يبذل جهدا كبيرا في بداية عمله مع من معه في توجيههم لمنابع الإيمان - والتي يقف على رأسها القرآن - ويتأكد من ورودهم لها ونهلهم منها، وظهور آثار زيادة الإيمان عليهم.. فإن تم ذلك أصبحت مهمته سهلة، ويسيرة في التوجيه وضبط الفهم، وتنظيم الحركة، فعندما توقد شعلة الإيمان في القلب وتستمر في النمو والزيادة فإن هذا من شأنه أن يجعل الفرد في حالة دائمة من الانتباه والتذكر بما ينبغي عليه أن يفعله هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن الإيمان الحي في القلب يولد طاقة وقوة دافعة داخل الفرد تدفعه للقيام بأعمال البر وكل وما يريده الله، بسهولة ويسر. فإن كان على الفرد أن يتجه قلبه لله، وأن يتخلق بأخلاق المؤمنين، وأن يكتسب مهارات تعينه على القيام بدوره في الحياة، فالطريقة السهلة لذلك هو حسن عودته للقرآن، ووروده منابع الإيمان المختلفة لتصبح هذه الأمور بمثابة ثمار طبيعية الحياة القلب وتمكن الإيمان منه كما قال تعالى:

﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةٌ طَيِّبَةٌ كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾

[إبراهيم: ٢٤: ٢٥].

فالإيمان هو الشجرة الطيبة التي تؤتي ثمارها في كل وقت وكل اتجاه..

وكما مر علينا فإن أفضل طريقة للتعرف على الله هي القرآن، مع ربط هذه المعرفة بأحداث الحياة قدر الإمكان.. هذه المعرفة يمكن الوصول إلى الحد الأدنى منها في فترة وجيزة بإذن الله.

فعلى سبيل المثال: التخلق بصفات المؤمنين من صدق، ووفاء، وثبات، وتضحية في سبيل الله، وورع، وكف للأذى، وإحسان، وترك للآثام..... كل هذه الأخلاق وغيرها ثمار طبيعية للإيمان الحي في القلب، وعلى قدر قوته يكون اكتمالها، كما قال : أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم أخلاقا ) . إذن فمن يُرد التخلق بصفات المؤمنين فعليه بمنابع الإيمان أولا، وعلى رأسها القرآن، أما أن يتم تجزئة هذه الأخلاق وتقسيمها ومحاولة التخلق بخلق منها كل فترة، فهذا طريق طويل من الناحية النظرية، ومن الصعب تحقيقه من الناحية العملية بدون البدء بالإيمان هذا بالنسبة للأخلاق، أما بالنسبة لعبادات القلوب، من توكل على الله، وأنس به، وحب له، ورجه فيه، وإخلاص، وإنابة، وتعظيم وخشية، وزهد في الدنيا، و.... فهذه ثمار لا يمكن القفز إليها أو اكتسابها بطريقة مباشرة، بل هي نتيجة طبيعية لمعرفة الله عز وجل.. فالتوكل على الله - على سبيل المثال - ثمرة لمعرفة الله الحي القيوم العليم القدير.. وعلى قدر تمكن هذه المعارف من القلب تكون عبودية التوكل بتلقائية ودون تكلف.

       أما اكتساب المهارات التي يحتاج إليها الفرد، كتعلم مهارة التهديف التربوي أو إتقان مهارة إدارية، أو تعلم لغة من اللغات، فإنها بالفعل تتطلب تدريبا وتربية

 حتى يتم اكتسابها، مع الأخذ في الاعتبار أن الإيمان الحي يدفع صاحبه لبذل المزيد من الجهد الذي يختصر فترة التدريب، وكذلك يصحح النية ويجعلها خالصة الله عز وجل، وليس أدل على ذلك من تعلم زيد بن ثابت - رضي الله عنه  - السيريانية في سبعة عشر يوما، عندما أمره الرسول ﷺ بتعلمها، وصار ماهرا بها.

السابق التالى

مقالات مرتبطة بـ الإيمان أولا

معرفة الله | علم وعَملIt's a beautiful day