التهيئة الذهنية والقلبية


مجدي الهلال


ومع الانشغال اليومي بالقرآن ينبغي أن نهيئ الجو المناسب لاستقباله ولقائه، فلا يصح أن نلتقي به في مكان تملؤه الشواغل والضوضاء مما يشوش على الذهن ولا يجمع القلب مع القراءة....

فإن قلت: ولكني أستطيع - بفضل الله - التركيز مع القراءة في أي مكان مثل وسائل المواصلات. نعم قد يمكنك ذلك، ولكن ماذا تفعل إذا حدث لك تجاوب وتأثر بالقراءة، هل ستبكي أمام الناس.. هل سترفع يديك بالدعاء في حضورهم ؟!! إننا نريد من القرآن التغيير، وهذا يتطلب مكانا هادئا بعيدا عن الأعين والأصوات.. فلنخصص إذن مكانا مناسبا في بيوتنا لهذا الغرض، فإن لم نستطع ففي ركن بعيد من أركان المسجد، فإن لم نستطع فلن تعدم مكانا هادئا إذا ما أردنا ذلك، قال صلى الله عليه وسلم : ومن يتحر الخير يعطه .

المكان الهادئ علينا أن يكون لقاؤنا مع القرآن في أفضل أوقاتنا، حيث قوة التركيز والنشاط، ولا ننسى الوضوء والسواك فإنهما من وسائل التهيئة كذلك. ومع هذا من ناحية التهيئة الذهنية والنفسية، أما من ناحية التهيئة القلبية، فكلما كانت المشاعر في حالة من الاستثارة والخشية، كان تأثر القلب بالقرآن أقوى،

كما قال تعالى:

{سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى}

[الأعلى: ١٠].

وفي قصة إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه ما يؤكد هذا المعنى، فعندما ضرب أخته فاطمة وسال الدم على وجهها رق قلبه واستثيرت مشاعره، فلما استمع إلى القرآن وهو بهذه الحالة الشعورية انجذب القلب له ودخل نوره إليه بإذن الله . وهذا ما نريده، أن نستثمر أوقات التأثر التي نمر بها في يومنا، فنهرع حال وجودها إلى القرآن فنقرؤه، ونعيش معه بعقولنا ومشاعرنا، فيمتزج الفكر بالعاطفة، ويزداد القلب خشوعا وإيمانا.

في حالة عدم وجود مثل هذه الأوقات في اليوم، علينا أن نعمل على استثارة مشاعرنا قبل التلاوة بالتفكير في الموت وسكراته وأحداث يوم القيامة، أو بالقراءة في كتاب من كتب الرقائق، أو الاستماع إلى موعظة ترقق القلب وتؤهله لاستقبال القرآن.

وهناك الكثير من الآيات التي تؤكد على أن الانتفاع الحقيقي بالقرآن يستلزم وجود قلب خاشع يستقبله،

قال تعالى:

{طه مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى إِلَّا تَذْكِرَةً لَنْ يَخْشَى}

[طه: ١-٣]

... نعم، هذه الوسيلة ستحتاج منا إلى بعض الجهد، وبخاصة في البداية، ولكن بمرور الوقت وبدء عملية التغيير، ومع الزيادة المستمرة للإيمان في القلب والتي سيحدثها القرآن بمشيئة الله، ستصبح المشاعر مؤهلة للاستثارة والتجاوب والانفعال بمجرد التلاوة وحدها دون الحاجة للتأهيل قبلها.

. ومن الوسائل المؤثرة والميسرة للجميع التي يمكنها أن تهيئ القلب لاستقبال القرآن الإلحاح الصادق على الله عز وجل بأن يفتح القلوب لأنوار القرآن، وكلما كان الإلحاح صادقا كان القلب أكثر استعدادا للانتفاع بالقرآن.

السابق التالى

مقالات مرتبطة بـ التهيئة الذهنية والقلبية

  • وسائل مقترحة

    مجدي الهلال

    .. نعم، الدخول إلى عالم القرآن ودائرة تأثيره يحتاج منا إلى جهد ومثابرة، وبخاصة في البداية حتى نستطيع تجاوز الطريقة

    31/05/2023 512
  • ترديد الآية أو الآيات التي تؤثر في القلب

    مجدي الهلال

    الوسائل السابقة من شأنها أن تهيئ العقل لحسن التدبر وفهم المراد من الآيات، ولكن ليس هذا فقط هو المطلوب من القرآن،

    12/06/2023 709
  • لماذا يذنب العبد : الغضب

    فريق عمل الموقع

    ثانيًا: وجود الدوافع وأصول الذنوب في النفس الإنسانية المعبَّر عنها بالغرائز والشهوات والتي خلقت أصلاً لتؤدي

    27/02/2018 1903
معرفة الله | علم وعَملIt's a beautiful day