القرآن والعقل
في الصفحات السابقة استعرضنا معا الأسباب التي تحول بيننا وبين أن نكون عبيدا مخلصين الله عز وجل، والتي تنطلق من محاور ثلاثة العقل والقلب والنفس، ومن ثم فإن التغيير الحقيقي في ذات الإنسان ينبغي أن يشمل هذه المحاور الثلاثة.
فإذا ما نظرنا إلى العقل وجدنا أن بداية التغيير الحقيقي فيه تأتي من خلال فكر الإنسان وقناعاته واهتماماته وتصوراته، وهذا يشمل العقل المدرك، والعقل الباطن غير المدرك، بل إن التغيير في العقل الباطن هو الأهم باعتباره مصدرا للأفعال التلقائية، والتي قد تتناقض مع قول المرء وما يدعو إليه، من هنا كان من الضروري استبدال الأفكار الخاطئة الراسخة في اللاشعور بأخرى صحيحة.. وهنا يأتي دور القرآن المتفرد.
فمن أهم سماته أنه كتاب يخاطب العقل، ويُعلي من شأنه، ويستثير صاحبه إلى استخدامه كأداة عظيمة للتفكر، ومن ثم الوصول إلى الحقائق التي يقوم على أساسها الوجود.
يطرح عليه القضايا الكلية التي يقوم عليها التصور الإسلامي الصحيح المفردات الحياة والكون المحيط، ويُقنعه بها.
يؤسس عنده عقيدة التوحيد بصفاء وسهولة، بل إنه يجعل قارئه يصل إلى قناعة تامة بكل ما يتعلق بتوحيد الله عز وجل وحقوقه علينا، فيطرح عليه القضايا الاعتقادية من بدايتها.. هل للكون إله؟ من هو ؟ وما اسمه؟ هل معه شريك ؟ هل له زوجة؟ هل له ولد ؟
هذه الأسئلة الخطيرة يجيب عليها القرآن بكل سهولة ويسر، بل ويعرض وجهة النظر المخالفة في بعض الأحيان حتى يفندها ويبطلها تماما، كقوله تعالى:
﴿قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ أَهِةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا ﴾
[الإسراء: ٤٢]
وقوله:
﴿مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهِ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهِ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾
[المؤمنون: ٩١]
ومع التعريف بالله عز وجل وبأسمائه وصفاته يُعرف القرآن قارته بعالم الغيب، ويثبت له بالأدلة العقلية قضية البعث والحساب والجزاء:
﴿وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ. خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ﴾
[يس: ۷۸-۸۰
والقرآن يجيب عن التساؤلات الحائرة في ذهن الإنسان، ويؤصل لديه التصورات الصحيحة لكل ما يتعامل معه من مفردات الحياة؛ كنظرته للرزق والمستقبل والزوجة والأولاد والمال...، وكل ما يتعلق بأموره الدنيوية.
ويبين كذلك أصول الشريعة وقواعدها الكلية، وأنها ما شرعت إلا رحمة للعباد:
﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةٌ لِلْعَالَمِينَ ﴾
[الأنبياء: ١٠٧]
.