أين الله؟!


عبد الله بن مشبب بن مسفر القحطاني

في "صحيح مسلم" عن الصحابي الجليل معاوية بن الحكم السملمي رضي الله عنه قال:.. كانت لي جارية ترعى غنماً لي قيل أُحد، فاطلعت ذات يوم فإذا الذيب قد ذهب بشاة من غنمها، وأنا رجل من بني آدم، آسف – أغضب – كما يأسفون، لكني صككتها صكة.

فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعظم ذلك علي، قلت: يا رسول الله أفلا أعتقها؟ قال: "أئتني بها!" فأتيته بها، فقال لها: "أين الله؟"، قالت: في السماء، قال: "من أنا؟" قالت: أنت رسول الله، قال: "أعتقها، فإنها مؤمنة".

ومعنى كون الله في السماء؛ أي: في العلو فوق السماء، و(في) بمعنى (على)؛ كما جاء بهذا المعنى في قوله سبحانع وتعالى:

{وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِى جُذُوعِ ٱلنَّخْلِ}

[طه: 71]

ولا يتوهم أن السماء تحيط بالله؛ فالله أعظم من ان يحيط به شيء من خلقه.

وأقف هنا – أيها القارئ! – قأقول: هل يجوز وصف الله عز وجل بضد ما وصف به نفسه؛ كوجود الله في كل مكان؟

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "مجموه الفتاوى": "وهو سبحانه وتعالى وصف نفسه بالعلو، وهو من صفات المدح له بذلك والتعظيم؛ لأنه من صفات الكمال، كما مدح نفسه بأنه العظيم والعليم والقدير والعزيز والحليم ونحو ذلك، وأنه الحي القيوم، ونحو ذلك من معاني أسمائه الحسنى.

فلا يجوز أن يتصف بأضداد هذه، فلا يجوز أن يوصف بضد العلو وهو: السفول، ولا بضد القوي وهو: الضعيف.

بل هو سبحانه وتعالى منزه عن هذه النقائص المنافية لصفات الكمال الثابتة له".

هذا ومن توحيدهم: إثبات                  أوصاف الكمال لربنا الرحمن

كعلوه سبحانه فوق السماوات               العلى بل فوق كل مكان

فهو العلي بذاته سبحانه                   إذ يستحيل خلاف ذا ببيان

وهو الذي حقا على العرش استوى          قد قام بالتدبير للأكوان

قال عز وجل:

{إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ فِى سِتَّةِ أَيَّامٍۢ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ}

[الأعراف: 54]

وذكر الله عز وجل في كتابه نزول جبريل والملائكة:

{تَنَزَّلُ ٱلْمَلَٰٓئِكَةُ وَٱلرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍۢ}

[القدر: 4]

والتنزيل لا يكون إلا من العلو.

وذكر سبحانه وتعالى أن الملائكة تعرج إليه وتصعد:

{تَعْرُجُ ٱلْمَلَٰٓئِكَةُ وَٱلرُّوحُ إِلَيْهِ فِى يَوْمٍۢ كَانَ مِقْدَارُهُۥ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍۢ}

[المعارج: 4]

وذكر سبحانه وتعالى أن الأعمال الصالحة والكلام الطيب إليه يصعدان:

{إِلَيْهِ يَصْعَدُ ٱلْكَلِمُ ٱلطَّيِّبُ وَٱلْعَمَلُ ٱلصَّٰلِحُ يَرْفَعُهُۥ ۚ}

[فاطر: 10]

فإلى من ترفع الأعمال؟

وإذا كان ربنا سبحانه وتعالى بنفسه في كل مكان؛ فماذا يصنع بالتنزيل؟ - تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً -.

فربنا عز وجل تعالى عن الشبيه والنظير والمثيل والعديل.

وربن عز وجل تعالى عن الصاحبة والولد:

{وَأَنَّهُۥ تَعَٰلَىٰ جَدُّ رَبِّنَا مَا ٱتَّخَذَ صَٰحِبَةً وَلَا وَلَدًا}

[الجن: 3].

وربنا عز وجل تعالى عن الشريك في ألوهيته:

{فَلَمَّآ ءَاتَٰهُمَا صَٰلِحًا جَعَلَا لَهُۥ شُرَكَآءَ فِيمَآ ءَاتَٰهُمَا ۚ فَتَعَٰلَى ٱللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}

[الأعراف: 190]

السابق التالى

مقالات مرتبطة بـ أين الله؟!

  • من الشرك النذر لغير الله

    محمد بن عبد الوهاب

    وقول الله تعالى: (يوفون بالنذر) (36) وقوله: (وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر فإن الله يعلمه) (37). وفي

    18/04/2010 8160
  • احفظ ما بينك و بين الله

    د. سلطان العَرَابي

    احفظ ما بينك وبين الله حتى في البلاء الذي تُعاني منه ولايعلمه به أحدٌ إلاَّ الله بأن لا تشكوه إلاَّ الله ، وأن

    10/11/2019 3094
  • الرغبات كلها إلى الله

    محمد الأمين الشنقيطي

    (إنا إلى ربنا راغبون) الرغبات كلها إلى الله؛ لأنه هو الذي بيده الخير وكل شيء بيده، فرغبة المؤمن إليه جل وعلا

    08/01/2019 3371
معرفة الله | علم وعَملIt's a beautiful day