الشبهات حول اسم الله (القادر)
الشبهة الأولى:
تقول طائفة القدرية: إن الله قادر حي عالم مريد سميع بصير، ولكن ليس له قدرة ولا حياة ولا علم، ولا إرادة، ولا سمع، ولا بصر، بل هو موصوف بهذه الصفات لذاته.
الرد عليها:
حقيقة الموصوف أن يكون له صفة موجودة به، وحقيقة الصفة أن لا تتعرى عن الموصوف، وهذا اسم حرره أهل اللغة الذين نزل القرآن بلغتهم، فلا يسمون الأحمر إلا لما فيه حمرة ولا الأسود إلا لما فيه سواد، فكذلك لا يسمون القادر إلا لمن له قدرة، والعالم إلا لمن له علم، والحي إلا لمن له حياة، وكذلك الكلام في السمع والبصر والإرادة، يستحيل وجود قادر لا قدرة له، وعالم لا علم له، كما يستحيل وجود قدرة ولا قادر ووجود علم ولا عالم ووجود حياة ولا حي، ولأن القدرية وصفوا الله بهذه الصفات وجعلوها ألقاباً لا حقيقة لها؛ لأنه إذا كان لا قدرة له ولا علم ولا حياة ولا إرادة ولا سمع ولا بصر كانت هذه الصفات له هي قول الواصفين1 له وعباراتهم فلا يكون موصوفاً بهذه الصفات عند عدم الواصف له بذلك، فيؤدي عدم وصفه بذلك إلى وصفه بضدها وهي العجز والجهل والموت والصمم والعمى تعالى عما يقول الظالمون علواً كبيراً. [الانتصار في الرد على المعتزلة القدرية الأشرار، أبو الحسين يحيى بن أبي الخير بن سالم العمراني اليمني الشافعي (المتوفى: 558هـ) 1/ 248].
الشبهة الثانية:
يقول القائل: هل وقوع البعث أمر مؤكد؟ وهل الله قادر على أن يبعث الموتى؟
الرد عليها:
الاستدلال على البعث من وجهين:
أولاً: من خلال الآيات الأخيرة من سور (يس):
جاء في كتب التفسير: أن أحد المشركين جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يده عظم رميم، وفته بيده وأخذ يذروه في الهواء، ويقول في سخرية تهكم: "يا محمد أتزعم أن الله يبعث هذا بعد ما أرم؟!!"
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعم يميتك الله تعالى، ثم يبعثك ثم يحشرك إلى النار»، ونزلت الآيات الأخيرة، من سورة (يس) من قوله تعالى:
﴿ أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ * وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ * أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ * إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [يس: 77-83]
واستنبط العلماء من هذه الآيات الكريمة ما يلي:
1- الاستدلال بالنشأة الأولى على النشأة الآخرة:
وذلك من خلال قوله تعالى:
﴿ وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ ﴾ [يس: 78-79]
يذكر شارح الطحاوية أنه لو رام أعلم البشر وأفصحهم وأقدرهم على البيان أن يأتي بأحسن من هذه الحجة، أو بمثلها في ألفاظ تشابه هذه الألفاظ في الإيجاز ووضع الأدلة، وصحة البرهان لما قدر، فإنه سبحانه افتتح هذه الحجة بسؤال أورده ملحد، اقتضى جواباً، فكان في قوله تعالى: ﴿ وَنَسِيَ خَلْقَهُ ﴾ ما وفَّى بالجواب وأقام الحجة، وأزال الشبهة، ولما أراد سبحانه من تأكيد الحجة وزيادة تقريرها قال: ﴿ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ ﴾ فاحتج بالإبداء على الإعادة، وبالنشأة الأولى على النشأة الأخرى، إذ كل عاقل يعلم علماً ضرورياً أن من قدر على هذه قدر على هذه، وأنه لو كان عاجزاً عن الثانية لكان عن الأولى أعجز وأعجز.
وهو استدلال من الوضوح والجلاء، بحيث لا يحتاج إلى مزيد من التفكير وذلك لأن المنكرين يقرون بالبدء أو الخلق الأول، ويعترفون به لأنه أمر محسوس ومشاهد، فلا يستطيعون إنكار أننا كنا أمواتاً ثم أحيانا الله وأوجدنا بعد عدم، يقول تعالى:
﴿ كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [البقرة: 28]
بل إنه في عرف البشر من خلق في المرة الأولى، تكون إعادة الخلق مرة أخرى عليه أسهل وأهون، ولله المثل الأعلى، ولذلك يقول تعالى:
﴿ وَهُوَ الَّذِي يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [الروم: 27]
يقول الكندي (فيلسوف العرب):
فأي دليل في العقول النيرة الصافية أبين وأوجز من أنه إذا كانت العظام قد وجدت بالفعل بعد أن لم تكن، فإنه من الممكن - إذا بطلت وصارت رميماً - أن توجد من جديد -، فإن جمع المتفرق أسهل من صنعه من العدم، وإن كان الأمر بالنسبة لله لا يوصف بكونه أشد وأضعف، وإن القوة التي أبدعت ممكن أن تنشئ ما أدثرت.
أما كون العظام موجودة بعد أن لم تكن، فذلك ظاهر للحس، فضلاً عن العقل وإن السائل عن هذه المسألة الكافر بقدرة الله جل وتعالى مقر أنه هو نفسه كان بعد أن لم يكن، فعظمه إذن وجد بعد أن لم يكن، فإعادته وإحياؤه أمر ممكن ولا سبيل إلى القول بخلاف ذلك.
2- الاستدلال بعلمه سبحانه بتفاصيل خلقه:
جاء في شرح العقيدة الطحاوية أنه: "لما كان الخلق يستلزم قدرة الخالق على مخلوقه، وعلمه بتفاصيل خلقه، أتبع ذلك بقوله: ﴿ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ ﴾ فهو عليم بتفاصيل الخلق الأول وجزئياته، ومواده وصورته، فكذلك الثاني، فإذا كان تام العلم، كامل القدرة، كيف يتعذر عليه أن يحيي العظام وهي رميم؟.
ويذكر الحافظ ابن كثير أن قوله تعالى: ﴿ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ ﴾ يفيد أنه يعلم العظام في سائر أقطار الأرض، وأرجائها أين ذهبت، وأين تفرقت وتمزقت ويفسر هذا بقوله تعالى:
﴿ قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ ﴾ [ق: 4]
ويقول القرطبي: (أي ما تأكل من أجسادهم فلا يضل عنا شيء حتى تتعذر علينا الإعادة، ويستشهد بقوله تعالى:
﴿ قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى * قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى ﴾ [طه: 51-52]
وبما ورد في الصحيح: "كل ابن آدم يأكله التراب إلا عجب الذنب منه خلق وفيه يركب" وثبت أن الأنبياء والأولياء والشهداء لا تأكل الأرض أجسادهم.
3- الاستدلال بخروج الشيء من ضده
حيث أكد الله - سبحانه - الأمر بحجة قاهرة، وبرهان ظاهر، يتضمن جواباً عن سؤال ملحد آخر يقول: العظام إذا صارت رميماً عادت طبيعتها باردة يابسة، والحياة لا بد أن تكون مادتها وحاملها طبيعته حارة رطبة، بما يدل على أمر البعث، ففيه الدليل والجواب معاً فقال:
﴿ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ ﴾ [يس: 80]
فأخبر سبحانه بإخراج هذا العنصر الذي هو في غاية الحرارة واليبوسة، من الشجر الأخضر الممتلئ بالرطوبة والبرودة، فالذي يخرج الشيء من ضده، وتنقاد له مواد المخلوقات وعناصرها، ولا تستعصي عليه، هو الذي يفعل ما أنكره الملحد ودفعه، من إحياء العظام وهي رميم.
4- الاستدلال بالخلق الأكبر على الخلق الأصغر
حيث يؤكد الله سبحانه على إحياء العظام، وهي رميم بأخذ الدلالة من الشيء الأجل الأعظم على الأيسر الأصغر، فإن كل عاقل يعلم أن من قدر على العظيم الجليل، فهو على ما دونه بكثير أقدر وأقدر.
فمن قدر على حمل قنطار، فهو على حمل أوقية أشد اقتداراً فقال:
﴿ أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ ﴾ [يس: 81]
فأخبر أن الذي أبدع السماوات والأرض، على جلالتهما، وعظم شأنهم، وكبر أجسامهما، وسعتهما وعجيب خلقهما، هو أقدر على أن يحيي عظاماً قد صارت رميماً، فيردها إلى حالتها الأولى.
كما قال تعالى في موضع آخر:
﴿ لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ﴾ [غافر: 57]
وقال:
﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [الأحقاف: 33]
ثم أكد سبحانه ذلك وبينه ببيان آخر، وهو أنه ليس فعله بمنزلة غيره، الذي يفعل بالآلات والكلفة، والتعب والمشقة، ولا يمكنه الاستقلال بالفعل، بل لا بد معه من آلة ومعين، بل يكفي في خلقه لما يريد أن يخلقه، ويكونه، وقوله للمكون (كن)، فإذا هو كائن كما شاء وأراده[7]
﴿ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [يس: 82-83]
ثانياً: الاستدلال على وقوع البعث والرد على منكريه من سور وآيات أخرى:
أ- الاستدلال بإحياء الأرض بعد موتها
هناك آيات كثيرة يستدل بها تعالى على البعث بإحياء الأرض بعد موتها، حيث ينبه تعالى عباده أن يعتبروا بهذا على ذلك، فإن الأرض تكون ميتة هامدة لا نبات فيها، فإذا أنزل عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج، كذلك الأجساد إذا أراد الله بعثها ونشورها، أنزل من تحت العرش مطراً يعم الأرض جميعاً، وتنبت الأجساد في قبورها، كما تنبت الحبة في الأرض.
ومن هذه الآيات التي تتحدث عن ذلك قوله تعالى:
﴿ وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ﴾ [الحج: 5]
والهمود درجة بين الحياة والموت، وهكذا تكون الأرض قبل الماء، وهو العنصر الأصيل في الحياة والأحياء، فإذا نزل الماء اهتزت وربت، وهي حركة عجيبة سجلها القرآن الكريم قبل أن تسجلها الملاحظة العلمية بمئات الأعوام، فالتربة الجافة حين ينزل عليها الماء تتحرك حركة اهتزاز وهي تتشرب الماء، وتنتفخ فتربوا، ثم تتفتح بالحياة، فاستدل على إحياء الموتى بإحياء هذه الأرض الميتة الهامدة، ولذلك قال بعدها:
﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَأَنَّ السَّاعَةَ آَتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ ﴾ [الحج: 6-7]
وكذلك قوله تعالى:
﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [فصلت: 39]
جاء في مسند الإمام أحمد أنه حينما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف يحيي الله الموتى، وما آية ذلك على خلقه؟ قال لسائله: أما مررت بوادي أهلك ممحلاً؟ قال: بلى، قال: ثم مررت به يهتز خضراً، قال: بلى، قال: وكذلك يحيى الله الموتى، وذلك آيته في خلقه. وفي رواية أخرى قال لسائله: أمررت بأرض من أرض قومك مجدبة؟ ثم مررت بها مخصبة؟ قال: نعم، قال: كذلك النشور.
ب- دليل الحكمة من خلق الإنسان وأنه لم يخلق عبثاً:
استدل سبحانه على البعث بخلق الإنسان، وأنه لم يخلق عبثاً فقال تعالى:
﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ ﴾ [المؤمنون: 115]
وقال سبحانه: ﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى * أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى * فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى ﴾ [القيامة: 36-40]
فاحتج سبحانه وتعالى أنه لا يتركه مهملاً عن الأمر والنهي، والثواب والعقاب وأن حكمته وقدرته تأبى ذلك أشد الإباء، فإن من نقله من النطفة إلى العلقة، ثم إلى المضغة، ثم شق سمعه وبصره، وركب فيه الحواس، والقوى، والعظام والمنافع، والأعصاب والرباطات التي هي أشده، وأحكم خلقه غاية الإحكام، وأخرجه على هذا الشكل والصورة، التي هي أتم الصور، وأحسن الأشكال، كيف يعجز عن إعادته وإنشائه مرة ثانية؟
أم كيف تقتضي حكمته وعنايته به أن يتركه سدى؟ فلا يليق ذلك بحكمته، ولا تعجز عنه قدرته، فانظر إلى هذا الاحتجاج العجيب، بالقول الوجيز، الذي لا يكون أوجز منه، والبيان الجليل الذي لا يتوهم أوضح منه، ومأخذه القريب الذي لا تقع الظنون على أقرب منه.
ج- الاستدلال بالعدالة الإلهية والضرورة الأخلاقية
وذلك بأنه كثيراً ما يموت الظالمون دون أن يقتص منهم، ويموت المظلومون دون أن يقتص لهم، ويأخذوا حقهم فليس من الحكمة ولا من لوازم العدالة أن لا يكون هناك جزاء للإنسان من إثابة المطيع على طاعته والمحسن على إحسانه، وعقاب العاصي على معصيته، والمسيء على إساءته، حتى لا يستوي المحسن والمسيء، وإذا لم يتحقق هذا في الدنيا فلا بد أن يتحقق في الآخرة.
يقول تعالى:
﴿ وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ ﴾ [إبراهيم: 42]
ويقول سبحانه: ﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾ [الجاثـية: 21]
يقول فخر الدين الرازي: "لو لم توجد القيامة؛ لتعطل استيفاء حقوق المظلومين من الظالمين؛ ولتعطل توفية الثواب على المطيعين، وتوفية العقاب على الكافرين، وذلك يمنع من القول بأنه تعالى ما خلق السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق)