شرح أسماء الله الحسنى | الفتاح
أولا / المعنى اللغوي :
الفتاح من الفتح نقيض الإغلاق ، والفتح النصر ، واستفتحت: استَنْصَرت ،والفتح الحكم والقضاء بين الناس .
ثانيا / وروده في القرآن الكريم :
ورد اسم الله الفتـــاح مرة واحدة في قوله تعالى :
{قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ} سبأ: 26
وورد مرة واحدة بصيغة الجمع، في قول الله عزَّ وجلَّ :
{ رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ} الأعراف: 89
ثالثا / المعنى في حق الله تعالى :
الفتاح :هو الحاكم الذي يحكم بين عباده بالحق .
وهو الذي يفتح أبواب الرزق والرحمة لعباده .
وهو الناصر الذي ينصر عباده المؤمنين .
رابعا / تأملات في رحاب السم الجليل :
اسم الفتاح له معنيان:
المعنى الأول: الفتـــاح الذي يحكم بين العبــاد فيما هم فيه يختلفون .
كما في قوله تعالى
{.. رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ} الأعراف: 89
قال ابن كثير: «أي افصل بيننا وبين قومنا، وانصرنا عليهم، ﴿ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ ﴾ أي: خير الحاكمين، فإنك العادل الذي لا يجور أبداً».
وقال تعالى:
﴿ قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ ﴾ سبأ: 26
فهو سبحانه الذي يظهر أهل الحق على الباطل بحكمه فيظهر المظلوم وصدقه ويفضح الظالم وكذبه .
وقد سمى الله تعالى يوم القيــامة بيوم الفتــح .. لأنه يوم القضــاء بين العبــاد، يقول تعالى
{قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ} السجدة: 29
والمعنى الثاني: فتحه لعباده جميع أبواب الخيرات والبركات:
قال تعالى:
﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا ﴾ فاطر: 2 الآية
فالأمر بيد الله وحده ، فهو الذي يفتح لعباده أبواب الرحمة والأرزاق المتنوعة ، فما يأتيهم من خير ، أو رزق، فلا يقدر أحد أن يمنعه ، وما يمسك سبحانه وتعالى ويمنع، فلا يستطيع أحد أن يرسله ، فعنده الخزائن وبيده الخير، وهو الجواد المنان الفتّاح، يفتح ما انغلق من الأمور والأحوال ، فييسرها منه كرماً، ويتفضل بقضاء الحوائج وتفريج الكربات.
قال تعالى
{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ ..} الأعراف: 96
أي: لو أنهم امتثلوا لأمرنا ، لكان جزاء ذلك أن يُفتِحَ لهم من رحمته وأن يُنزل عليهم من فيض رزقه
{ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} الأعراف: 96
ويفتح بلطفه وتوفيقه بصائر الصادقين فيرون الحق { وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ } سورة هود: 88
فيسهّل لهم سبل الخير والطاعة، وييسرها عليهم ، ويهديهم إليها ويسوقهم لها ، بحوله وقوته لا بحولهم وقوتهم.
وهو الذي يفتح على من يشاء من أبواب الطاعات والقربات على تنوعها وألوانها وصنوفها، على درجاتها، فمن الناس من يفتح عليهم في القرآن، والعناية به، وحفظه، وتجويده، وضبطه، وإتقانه، وتلاوته، والقدرة على تعليمه .
ومن عباده من يفتح عليه في الصلاة فتكون قرة عينه في الصلاة.
ومنهم من يفتح له في الدعاء ، ومنهم من يفتح له في الصيام حتى إنه ليصوم يوماً ويفطر يوماً، وهو سهل عليه.
ومنهم من يفتح له في صلة الأرحام، فلا يزال يزورهم، ويحسن إليهم، ويبرهم ، ويأتيهم ويأتونه فيدعوهم وهكذا… يفتح عليه في باب الصلة والبر.
ومنهم من يفتح له في مساعدة المحتاجين وإغاثة الملهوفين،ورعاية الأيتام والمعاقين ، وتفريج كربات المكروبين، وتسديد ديون الغارمين، وكفالة المساكين والمرضى المعوزين، وحمل الأرامل والفقراء، ورعايتهم، ومواساتهم وهكذا..
ومنهم من يفتح عليه في باب الاحتساب، فيأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر لا يخاف في الله لومة لائم، ويصبر على الأذى، ولا يزال يتبع المنكرات ويتتبعها ويحذر منها، وينهى عنها… فيكون على يديه من الخير ما يكون.
ومنهم من يفتح عليه في أبواب الشفاعة والإصلاح بين الناس، فيفك أسيراً، ويحقن دماً، ويمنع باطلاً، ويحجز ظلماً، ويقيم حقاً، ويسعى في الإصلاح بين المتخاصمين، وهكذا.. ترد الزوجة إلى زوجها، والزوج إلى زوجته بمثل جهوده.
قال معروف: “إذا أراد الله بعبد خيراً فتح له باب العمل، وأغلق عليه باب الجدل، وإذا أراد بعبد شراً أغلق عليه باب العمل وفتح عليه باب الجدل”.
وقد يفتح الله على بعض عباده في تعليم العلوم ، فمنهم من فتح عليه في تعليم التوحيد، وعقيدة الإسلام، ومنهم من فتح عليه في تعليم الحديث، وتعلم فنونه، ومصطلحه، وتمييز صحيحه من سقيمه، وتبويبه ومعاني غرائبه وألفاظه، ومنهم من فتح له في الفقه، ومذاهبه، وأقوال العلماء فيه، والتمييز بينها، ومعرفة الراجح منها، ومنهم من فتح له في التفسير، ومعرفة كلامه، ومعانيه، وما فيه من الأحكام والأسرار العظيمة.
ومن العلماء من فتح له في العلم في تصنيفه وجمعه، ولذلك تراهم يسمون كتبهم فتح الباري، فتح المنعم، فتح المغيث، فتح الوهاب، فتح المعين، فتح القدير، فتح العزيز، فتح المجيد، فتح رب البرية، الفتح الرباني، وهذه كلها أسماء كتب لعلماء المسلمين.
والفتح الذي يفتح الله به على عباده يكون له علاقة مباشرة بطهارة قلوبهم، واتّباعهم لما يحبه، واجتنابهم لما يبغضه.
ويكون من الفتح أيضاً الإلهام الذي يلهمه الله تعالى من يشاء من عباده، فيكون ملهماً موفقاً مصيباً للحق لا يختار بين أمرين، إلا اختار الأصوب، قال عليه الصلاة والسلام: (لقد كان فيمن كان قبلكم رجال محدثون – يعني ملهمون– يكلمون من غير أن يكونوا أنبياء، فإن يكن في أمتي منهم أحد فإنه عمر بن الخطاب) رواه البخاري ومسلم
فيجري الصواب على لسانه، كما قال عليه الصلاة والسلام في حديث آخر: ( إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه)
ولذلك كثرت موافقاته لربه، كما كان يتمنى أن تنزل الصلاة عند مقام إبراهيم فنزلت، قال: يا رسول الله: لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى، فنزلت:
{ وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} سورة البقرة: 125
قلت: يا رسول الله: لو أمرت نسائك أن يحتجبن فإنه يكلمهن البر والفاجر، فنزلت آية الحجاب
واجتمع نساء النبي صلى الله عليه وسلم في الغيرة عليه، فقلت لهن: عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجاً خيراً منكن، فنزلت هذه الآية على لفظ عمر.
وكذلك وافق ربه في شأن أسارى بدر، وجاءت موافقته في منع الصلاة على المنافقين، وأيضاً في تحريم الخمر.
قال ابن حجر رحمه الله: وقفنا منها على خمسة عشر موضعاً، وكان لعمر بصيرة نافذة، وفراسة ثاقبة، قال مرة لرجل: ما اسمك؟ قال: جمرة، قال: ابن من؟ قال: ابن شهاب، قال: مِن مَن؟ قال: من الحرقة، هذا البطن الذي هو منه من القبائل، قال: أين مسكنك؟ قال: بحرّة النار، قال: بأيها – حرة النار واسعة – قال: ذات لظى، قال عمر: أدرك أهلك فقد احترقوا، فذهب الرجل فكان كما قال عمر رضي الله عنه” رواه مالك في الموطأ.
هذه أنوار يقسمها الله كيف يشاء
{ وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} سورة النور : 40
أسباب فتح الله على العبد
إن للفتح من الله على العبد أسباباً منها:
التوكل عليه واللجوء إليه، ودعاؤه والطلب منه، والركون إلى جنبه، فإن العبد إذا عقد أمله بالله، ولم يرج إلا الله، ولم يدع غيره، ولم يثق إلا به، ولم يتوجه إلا إليه، فتح الله عليه ما أغلق من الأبواب، وما استعصى من المسالك، وهذا الصدق في قلب العبد هو السبب في توفيق الرب سبحانه وتعالى، فإذا ركن العبد إلى ربه، فتح عليه من رحمته، وسكون قلبه، وطمأنينة نفسه، حتى لو كان مسجوناً مأسوراً في جب عميق،
{ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا } سورة الكهف: 16
قال شيخ الإسلام، وهو في حبسه بالإسكندرية: “إني والله العظيم في نعم من الله ما رأيت مثلها في عمري كله، وقد فتح الله سبحانه من أبواب فضله ونعمته، وخزائن جوده ورحمته، ما لم يكن بالبال، ولا يدور في الخيال.
والفتاح يحب أن نتعامل مع سننه في الكون ونأخذ بالأسباب ، فالجوارح تعمل وقلوبنا متعلقة به تنتظر فتحه ونصره سبحانه وتعالى ، وقد يؤخر الله علينا الفتح ليختبر ثقتنا به ؛ لنقف على الباب طويلاً؛ لنبقى بين يديه طويلاً نسأله ونرجوه ونبتهل إليه ، وفي هذا المعنى يقول أحد العلماء: لا تسأم من الوقوف على بابه ولو طردت، ولا تقطع الاعتذار ولو رددت، فإذا فتح الباب للمقبولين فادخل دخول المتطفلين، وقل له مسكين فتصدق علي، فإنما الصدقات للفقراء والمساكين وأنا فقير ومسكين.
ويقول حسان بن ثابت:
ببابك لن أغادره ولن أسعى إلى غيرك
سأنسج بالرضا ثوبي وأشرُف أنني عبدك
تعلم الرجاء في الله من طفل:
ويقول الفضيل بن عياض: تعلمت الرجاء في الله من طفل صغير!! قالوا كيف ذلك ؟!! قال: كنت في طريقي إلى المسجد ، فإذا بأم تفتح باب بيتها وتلقى منه طفلا صغيرا وأُغلق الباب، وبعدها وقف الصغير على الباب يبكي ويستعطف ويرجو ، فرقت له أمه ففتحت له وضمته إليها.
فقلت سبحان الله، هذا طفل وقف بباب أمه يبكي ويستعتب (يعتذر) ففتحت له ولو وقف العبد بباب ربه يبكى ويستعتب لفتح له…..فسبحان الله .
عندما يأتي الفتح :
والفتاح يأتي بالفتح من حيث لا ندري، فيوسف عليه السلام سُجن تسع سنين وسجْنه هذا قمة الفتح؛ لأنه لو لم يسجن لما كان تعرف على ساقي الملك، فيرى الملك الرؤيا،ويفسرها له يوسف ، ولو كان خرج من السجن مبكراً قبل رؤية الملك للرؤية ما كان عزيز مصر….. فكان سجنه ثم خروجه فتحا عليه وعلى أهله وعلى أهل مصر وما حولها بخطته في مواجهة المجاعة .
الفتح بماء زمزم :
السيدة هاجر كانت تسعى بين الصفا والمروة ، وأقصى فتح تتمناه من الله
أن يشرب إسماعيل، ولكن يأتي الفتح بصورة فاقت التوقع إنه ليس فتحا عادياً بل ممتد إلى يوم القيامة إنه الفتح بماء زمزم الذي يشرب منه جميع زوار بيت الله الحرام وغيرهم إلى يوم القيامة .
“إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً”
وهو الذي فتح على نبيه صلى الله عليه وسلم بصلح الحديبية الذي جاء من بعده الخير الكثير للمسلمين، فأنزل الله على نبيه:
{ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} سورة الفتح: 1
والعجيب أن الكثيرون يعتقدون أن هذه الآية تتحدث عن فتح مكة ؛ لكن الصحيح هو أنها نزلت بعد صلح الحديبية ،فعن البراء رضي الله عنه قال : ( تعدون أنتم الفتح فتح مكة.. وقد كان فتح مكة فتحاً، ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية) رواه البخاري
– ومعلوم أن يوم الحديبية كان النبي – صلى الله عليه وسلم – قد حدد هدفاً واضحاً وأعلنه قبل الخروج من مكة وهو أداء العمرة.. ولكن قريش منعته دخول مكة.. فأرسل إليهم عثمان رضي الله عنه ليفاوضهم فجاءه الخبر بقتله فاستعد لقتالهم.. واشتدت غيرة المؤمنين على دينهم واسشتاطوا غضباً لله ورسوله وبايعوا نبيهم على ، ولكن عاد عثمان فقد كان خبر قتله مجرد شائعة.. وأرسلت قريش للتفاوض بعد أن وُضعت أمام الأمر الواقع واهتزت مكانتها.
– وبعد الصلح أمر النبي – صلى الله عليه وسلم – المسلمين بالعودة دون عمرة بعد أن كانت نفوسهم قد تهيأت لأمرين : العمرة أو القتال فلا هذا ولا ذاك.. بل تحقيق رغبة قريش المتعسفة(هذا في ظاهر الأمر) فلما لم يتحقق الهدف المحدد سلفاً حزن المسلمون وغضبوا وتحيروا.. وتساءل عمر رضي الله عنه علانية فنزلت سورة الفتح فاجتمع الناس على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقرأ عليهم( إنا فتحنا لك فتحا مبينا) قال:فقال رجل من أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم أي رسول الله أو فتح هو ؟ فقال صلى الله عليه وسلم: إي والذي نفس محمد بيده إنه لفتح.
فلماذا سُمي فتحا؟
لأنه بعد صلح الحديبية استقرت الأحوال؛ عقد الصلح بين النبي -صلى الله عليه وسلم- وبين المشركين، وضعت الحرب أوزارها، وأمن الناس، وصار المشركون يأتون إلى المسلمين، ويسمعون القرآن، فأسلم جم غفير.
وتفرغ النبي – -صلى الله عليه وسلم- – لفتح خيبر، وفتحت خيبر، ثم نقض المشركون العهد بعد سنتين، فغزاهم النبي – -صلى الله عليه وسلم- وفتح مكة، فالله تعالى سماه فتحا مبينا؛ لما يعقبه من النصر.
الله يفتح باب التوبة للعصاة :
قال تعالى :
( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) الزمر 53
هذه الآية فى كتاب الله تفتح باب الأمل للعصاة حتى لا يظلوا سائرين فى غيهم ، راكبين رؤؤسهم فى طاعة أنفسهم وشياطينهم .
إن نفس المؤمن كثيرا ما تشعر بذنبها ، وتندم على فعلها ، وتذكر ماضيها وتود أنها لو كانت من المؤمنين الذين عملوا الصالحات ، فلو سد باب الأمل فى التوبة والرجوع إلى الله لظل أغلب الناس يتخبطون فى ظلمات المعاصي، ولكن فتح الله باب التوبة لعباده وهذه بعض قصص الذين فتح الله لهم :
الفُضَيْل بن عِياض : كان أوّل أمره لصًا قاطعًا للطريق يُخيفُ الناس ويسرق منهم متاعهم،وفي ليلة من الليالي قصدَ بيتَ فتاةٍ أحبّها ،فلمّا صعد على الجدار سمع قارئا للقرءان الكريم يتلو قول الله تعالى:
{ أَلَمْ يَأْنِ للذينَ ءامَنُوا أنْ تَخشَعَ قلوبُهم لذِكْرِ الله } الحديد 16
فتوقف في مكانه وتحرّك قلبه وخشع لله تعالى وقال: يا ربّ قد ءان،فنزل عن الجدار ورجع،وكان الوقت ليلاً فأوى إلى بيت متهدم،فإذا فيه بعض المسافرين قد داهمهم الليل ، وقصدوا هذا البيت المتهدم ليناموا فيه ثمّ صباحًا يكملون سيرهم،فسلّم عليهم وقعد معهم ولم يعرّفهم بنفسه،فقال أحدهم: ما رأيكم لو نسير الآن قبل أن تشتد حرارة الشمس غدًا؟
فردّ عليه ءاخر: لا، ننتظر الصباح لأن الفضيل بن عِياض قد يتعرّض لنا بالسوء ويسرق متاعنا،فسمع الفضيل كلامه فتاب إلى الله تعالى وعرّفهم بنفسه
فارتاعوا فأخبرهم بقصته وأمّنهم ثمّ قصد مكة المكرّمة،وهناك قصد العلماء والصالحين وجالسهم وأخذ منهم العلم ؛ وعلّم في الحرم الشريف حتى مات رحمه الله تعالى في مكة المكرمة
– أحد الشباب لم يكن ملتزما يحكي أنه كان في طريقه للعمل فمر بمقهى فسمع هذه الآية من القرآن
“وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً” (الكهف:50)
يقول: وجدت نفسي أقول والله لن أستبدلك بعد اليوم يا رب بإبليس.
– وهذا شاب آخر يحكي قصة هدايته أنه كان مسافر من القاهرة للإسكندرية بالقطار وقد أعد لمعصية من أسوأ ما يكون ، ركب القطار فجلس بجوار شاب يقرأ القرآن الكريم.. يقول: فأسمعني الله هذه الآية
“يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ…” (النساء:108)
فظل يبكي حتى وصل الإسكندرية فحجز عودة وعاد للقاهرة وكانت بداية الهداية والرجوع إلى الله .
– أحد الأشخاص بداية حياته كانت في منتهى الانحراف، ذات مرة قال له صديقه: يا فلان كثيرا ما سافرت للدنيا سافر مرة لله واعمل عمرة، فوقعت في قلبه وكانت بداية الرجوع إلى الله .
فتح الإنعام وفتح الاستدراج :
الفتح نوعان :
فتح إنعام على المؤمنين ، وفتح استدراج على العصاة والكافرين .
فأما فتح الإنعام فالمقصود به ما يفتحه الله على من يشاء من عباده من الحكمة والعلم والفقه في الدين، بحسب التقوى والإخلاص والصدق، قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ ..} الأعراف: 96
ففتح الإنعام ثمرة من ثمرات التقوى فحينما يفتح الله على أمة من الأمم أو عبد من عباده لا يرزقهم بركة واحدة وإنما يرزقهم بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ هكذا.. «بركات من السماء والأرض» مفتوحة بلا حساب، من فوقهم ومن تحت أرجلهم ، بلا تحديد ولا تفصيل، فهي البركات بكل أنواعها وألوانها، وبكل صورها وأشكالها، ما يعهده الناس وما لا يخطر لهم ببال ، فالبركات الحاصلة مع الإيمان والتقوى، بركات في الأشياء، وفي النفوس، وفي طيبات الحياة.. وليست مجرد وفرة مال وترف مع الشقاء والتردي والانحلال .
وللبركة سر لا ينتبه إليه الكثير منا ، لأن الناس دائماً ينظرون إلى ما رزقهم الله في أيديهم وينسون كم صرف الله عنهم من السوء .
كأن يمنحك الله العافية فلا تحتاج إلى أجر طبيب أو نفقة علاج ، فقبل أن تنظر كم صرف الله لك من رزق فانظر كم صرف الله عنك من السوء.
فقوله: {بَرَكَاتٍ مِّنَ السمآء والأرض} أي أن يعطي سبحانه وتعالى قليل من الرزق الحلال،مع بركة وعافية وراحة بال وسعادة .
ويمحق الكثير الذي جاء من الحرام كالربا، والرشوة ، ولذلك سمى المال الذي نخرجه زكاة مع أن الزكاة في ظاهرها نقص، فحين تملك مائة وتخرج منها اثنين ونصف 2,5 يكون قد نقص مالك في الظاهر.
وإن أقرضت أحداً بالربا مائة فأنت تأخذها منه مائة وعشرة، لكنه سبحانه سمى النقص في الأولى نماء وزكاة، وسمى الزيادة في الثانية محقا وسحتاً، وسبحانه قابض باسط.
فتح الاستدراج :
وقد يفتح الله على بعض أهل المعاصي من الرزق ما يغترون به، ويكون سبباً في هلاكهم، وهذا من مكر الله بهم ، استدراجاً لهم إذا تركوا ما أمروا، ووقعوا فيما نهوا عنه، قال تعالى: ﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ﴾ [الأنعام: 44].
روى الإمام أحمد في مسنده من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب، فإنما هو استدراج»، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ﴾ الأنعام: 44.
فلنتأمل الآية وكيف انتقل القوم من حال إلى حال، باستدراج من الله ومكر، أولاً: نسوا ما ذكروا، أعرضوا، عصوا، وعاندوا.
بعد ذلك ( فتحنا عليهم أبواب كل شيء) من صنوف النعم فظنوا أو توهموا أن الله راض عنهم، فلماذا أعطاهم إذا كان ساخطاً عليهم؟، فجاء التلبيس من إبليس.
فلما غمرتهم النعمة (فرحوا بما أوتوا) عندما أتى العطاء من أبواب متعددة، باب كل شيء (أخذناهم بغتة) فجأة، انتقم الله منهم، وهم غافلون، فكان الوقع الأليم لهذا الانتقام ( فإذا هم مبلسون) الإبلاس: الحَيرَة واليأس، ومنه سُمِّيَ إبليس، لأنه أبلَسَ من رحمة الله: أي يَئسَ منها وتحيَّر.
فمعنى مُبلِسون: أي نادمون ساكتون متحسّرون على ما فَرَطَ منهم.
خامسا / ثمار الإيمان بالاسم الجليل :
1- الله سبحــانه وتعالى هو الحـــاكم بين عبــــاده في الدنيـــا والآخرة ؛ يحكم بينهم بالقسط والعدل، فالله جلَّ وعلا لا تخفى عليه خــافية، وهو سبحــانه لا يحتـــاج إلى شهود ليحكم بين خلقه وما كان غائبـــًا عما حدث في الدنيـــا .. يقول تعالى
{ فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ} الأعراف: 7
ويقول جلَّ وعلا
{ وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآَنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} يونس: 61
2) الفتح والنصر من الله سبحــانه وتعالى ؛ فهو يفتح على من يشــاء ويذل من يشــاء .. وقد نسب الله تعالى الفتح إلى نفسه؛ ليُنبه عبــاده على طلب النصر والفتح منه لا من غيره ، لذلك قال الله تعالى
{ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ} المائدة 52
وقال تعالى
{ وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} الصف: 13
3) دوام التوكُّل أن تعتمد على الله سبحانه وتعالى قبل الأخذ بالأسباب، وأن تطلب منه وحده مفاتيــح الخيــر .
4) كن مفتاحـــًا للخيـــر ، ارفع للخير راية : يقول النبي “إن هذا الخير خزائن ولتلك الخزائن مفاتيح، فطوبى لعبدٍ جعله الله عزَّ وجلَّ مفتاحًا للخير مغلاقًا للشر، وويلٌ لعبدٍ جعله الله مفتاحًا للشر مغلاقًا للخير” رواه ابن ماجه وحسنه الألباني
5) اللجوء إلى الله في الأمور كلها في الشدة والرخاء في السراء والضراء ….في طلب الرزق وفي طلب العلم ، وفي تيسير العسير ، وتفريج الكربات ، وطلب النصر ، فهو سبحانه الفتاح العليم .
6) أن ندعو الله تعالى باسمه الفتـــاح:
ومن الأدعيــة الواردة في القرآن والسُّنَّة:
رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ
و اللهم افتح لي أبواب رحمتك: عند دخول المسجد قال رسول الله “إذا دخل أحدكم المسجد فليقل: اللهمَّ افتح لي أبواب رحمتك. وإذا خرج فليقل: اللهمَّ إني أسألك من فضلك” رواه مسلم
وحديث (إذا أصبح أحدكم فليقل أصبحنا وأصبح الملك لله رب العالمين اللهم إني أسألك خير هذا اليوم فتحه ونصره ونوره وبركته وهداه وأعوذ بك من شر ما فيه وشر ما بعده ثم إذا أمسى فليقل مثل ذلك )حسن إسناده شعيب وعبد القادر الأرناؤوط في زاد المعاد.