الشبَهات حول اسم الله (الخبير)
الشبهة الأولى:
يقول القائل: ما الدليل على أن الله يعلم السرائر والخفايا؟
الرد عليها:
أولا :
لاشك أن الدليل العقلي الصحيح ، يوافق الدليل النقلي ، ويدل عليه ، ومن لم تنتكس فطرته ، ولم يرتد على عقبيه : يجد أن الكون كله يشهد بربوبية الرب تعالى ، وألوهيته ، وصدق رسوله ، وتمام رسالته ، وصحة كتابه ، وجلاله وعظمته ، قال ابن القيم رحمه الله :
" وَللَّه سُبْحَانَهُ فِي كل صنع من صنائعه ، وَأمر من شرائعه : حِكْمَة باهرة ، وَآيَة ظَاهِرَة ، تدل على وحدانيته ، وحكمته ، وغناه وقيوميته وَملكه ، لَا تنكرهَا إِلَّا الْعُقُول السخيفة ، وَلَا تنبو عَنْهَا إِلَّا الْفطر المنكوسة:
وَللَّه فِي كل تسكينة ** وتحريكة أبدا شَاهد
وَفِي كل شَيْء لَهُ آيَة ** تدل على أَنه وَاحِد " .
انتهى من "مفتاح دار السعادة" (2/ 66) .
" فَلَا ريب أَن خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض من أعظم الْأَدِلَّة على وجود فاطرهما وَكَمَال قدرته وَعلمه وحكمته وانفراده بالربوبية والوحدانية ، وَالله سُبْحَانَهُ إِنَّمَا يَدْعُو عباده إلى النّظر والفكر فِي مخلوقاته الْعِظَام ، لظُهُور أثر الدّلَالَة فِيهَا وبديع عجائب الصَّنْعَة وَالْحكمَة فِيهَا ، واتساع مجَال الْفِكر وَالنَّظَر فِي أرجائها " .
انتهى من "مفتاح دار السعادة" (2/ 198) .
فالأدلة على إثبات الخالق ظاهرة متكاثرة ، ويكفي أن يقال :
هذه المخلوقات المتقنة الصنع : إما أن تكون خلقت نفسها ، أو وجدت من غير خالق ، أو خلقها خالق عليم قدير .
أما الاحتمال الأول والثاني فباطلان ، معلوم بطلانهما ببدائه العقول ؛ فلا يقول عاقل إن شيئا صنع نفسه ، وأوجدها من العدم ، أو أن شيئا صُنع من غير صانع ، ولأجل تقرر ذلك في الفطر ، قال الله تعالى : تعالى : ( أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ ) الطور/ 35 .
وينظر جواب السؤال رقم : (174500) ، ورقم (26745) .
ثانيا :
إذا ثبت بالاضطرار وجود الخالق المدبر الحكيم العليم ، ثبت باللزوم أنه يعلم السرائر ويطلع على الخفايا ، فلا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ، قال تعالى : ( أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ) الملك/ 14 ، قال السعدي رحمه الله :
" ثم قال - مستدلا بدليل عقلي على علمه -: ( أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ ) فمن خلق الخلق وأتقنه وأحسنه ، كيف لا يعلمه؟! " انتهى من "تفسير السعدي" (ص 876) .
وهذا دليل عقلي يجب التسليم به ؛ لأن العبد إذا أتقن شيئا ، أو صنع صناعة ، أو اخترع اختراعا : فبالضرورة أن يكون عالما بكل تفاصيله وخباياه ، لا يخفى عليه من أمره شيء ، لأنه صانعه ومبتكره ومكونه ، فما بالك بالله تعالى خالق الخلق من العدم ، وموجدهم على غير مثال سبق ؛ أليس أولى وأحرى أن يكون عالما بخلقه ، محيطا بهم .
ومما يدل على ذلك أيضا : أن الله تعالى أخبر نبيه صلى الله عليه وسلم بكثير من أمور الغيب التي لا يعلمها أحد من العالمين ، فظهر مصداق ما أخبر ، سواء في حياته أو بعد مماته ، بل أخبر نبيه ببعض ما يستسر به المشركون ، أو يكنونه في صدورهم .
روى البخاري (4817) ، ومسلم (2775) : عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ:
" اجْتَمَعَ عِنْدَ البَيْتِ قُرَشِيَّانِ وَثَقَفِيٌّ - أَوْ ثَقَفِيَّانِ وَقُرَشِيٌّ - كَثِيرَةٌ شَحْمُ بُطُونِهِمْ ، قَلِيلَةٌ فِقْهُ قُلُوبِهِمْ ، فَقَالَ أَحَدُهُمْ: أَتُرَوْنَ أَنَّ اللَّهَ يَسْمَعُ مَا نَقُولُ ؟ قَالَ الآخَرُ: يَسْمَعُ إِنْ جَهَرْنَا وَلاَ يَسْمَعُ إِنْ أَخْفَيْنَا، وَقَالَ الآخَرُ: إِنْ كَانَ يَسْمَعُ إِذَا جَهَرْنَا فَإِنَّهُ يَسْمَعُ إِذَا أَخْفَيْنَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ( وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلاَ أَبْصَارُكُمْ وَلاَ جُلُودُكُمْ ) فصلت/ 22 الآيَةَ .
وينظر قصة أخرى في : "سيرة ابن هشام" (2/ 220) ، "سير أعلام النبلاء" (1/ 348) ، "البداية والنهاية" (5/210) .