أقوال السلف في أسماء الله (الخالق - الخلاق)
أولًا: أقوال بعض الصحابة والتابعين في أسماء الله (الواحد - الأحد):
قال ابن عباس: {الخالق}: أي للنطف في أصلاب الآباء. [تنوير المقباس من تفسير ابن عباس، ينسب: لعبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - (المتوفى: 68هـ)، 1/466].
{الخلاق}: الباعث لمن آمن به ولمن لم يؤمن به. [تنوير المقباس من تفسير ابن عباس، 1/220].
ثانيًا: أقوال بعض المفسرين في تفسير أسماء الله (الواحد - الأحد):
1- قال الطبري: {الخالق}: هو المعبود الخالق، الذي لا معبود تصلح له العبادة غيره، ولا خالق سواه. [تفسير الطبري، جامع البيان في تأويل القرآن، محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري (المتوفى: 310هـ)، 23/305].
2- قال السمرقندي: {الخالق}: خالق الخلق في أرحام النساء، ويقال: خالق النطف في أصلاب الآباء، المصور للولد في أرحام الأمهات ويقال: الْخالِقُ يعني: المقدر. [بحر العلوم، أبو الليث نصر بن محمد بن أحمد بن إبراهيم السمرقندي (المتوفى: 373هـ)، 3/433].
3- قال مكي بن أبي طالب: {الخالق}: أي: هو الله الذي خلق الخلق، وقيل: معنى خلق الخلق: قدره. [الهداية إلى بلوغ النهاية في علم معاني القرآن وتفسيره، وأحكامه، وجمل من فنون علومه، أبو محمد مكي بن أبي طالب حَمّوش بن محمد بن مختار القيسي القيرواني ثم الأندلسي القرطبي المالكي (المتوفى: 437هـ)، 11/ 7411].
4- قال الماوردي: {الخالق}: فيه وجهان: أحدهما: أنه المحدِث للأشياء على إرادته. الثاني: أنه المقدر لها بحكمته. (تفسير الماوردي - النكت والعيون، أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن حبيب البصري البغدادي، الشهير بالماوردي (المتوفى: 450هـ)، 5/514).
5- قال فخر الدين الرازي: {الخالق}: والخلق هو التقدير معناه أنه يقدر أفعاله على وجوه مخصوصة، فالخالقية راجعة إلى صفة الإرادة.. [مفاتيح الغيب - التفسير الكبير، أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي الملقب بفخر الدين الرازي خطيب الري (المتوفى: 606هـ)، 29/514].
6- قال القرطبي: {الخالق}: الخالق هنا المقدر. [الجامع لأحكام القرآن - تفسير القرطبي، أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي شمس الدين القرطبي (المتوفى: 671هـ)، 18 /48].
7- قال البيضاوي: {الخالق}: المقدر للأشياء على مقتضى حكمته.
[أنوار التنزيل وأسرار التأويل، ناصر الدين أبو سعيد عبد الله بن عمر بن محمد الشيرازي البيضاوي (المتوفى: 685هـ)، 5/203].
{الخلاق}: في مصحف عثمان وأبَيِّ رضي الله عنهما «هو الخالق» ، وهو يصلح للقليل والكثير والْخَلَّاقُ يختص بالكثير. [تفسير البيضاوي 3/216].
8- قال ابن كثير: {الخالق}: الخلق: التقدير أي: الذي إذا أراد شيئا قال له: كن، فيكون على الصفة التي يريد، والصورة التي يختار.
[تفسير القرآن العظيم، أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي (المتوفى: 774هـ)، 8/80].
{الخلاق}: الذي لا يعجزه خلق ما يشاء. [تفسير ابن كثير 4/546].
9- قال جلال الدين السيوطي وجلال الدين المحلي: {الخالق}: المنشئ من العدم. [تفسير الجلالين، جلال الدين محمد بن أحمد المحلي (المتوفى: 864هـ) وجلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (المتوفى: 911هـ)، 1/734].
10- قال أبو السعود: {الخالق}: أي المقدرُ للأشياءِ على مُقتضى حكمتِهِ. [تفسير أبي السعود - إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم، أبو السعود العمادي محمد بن محمد بن مصطفى (المتوفى: 982هـ)، 8/234)].
{الخلاق} الخالق وهو صالح للقليل والكثير والخلاقُ مختصٌّ بالكثير. [تفسير أبي السعود 5/88].
11- قال الآلوسي: {الخالق}: يفسر الخلق بإيجاد الشيء. [روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، شهاب الدين محمود بن عبد الله الحسيني الألوسي (المتوفى: 1270هـ)، 14/ 257]
{الخلاق}: الخالق صالح للقليل والكثير والْخَلَّاقُ مختص بالكثير. [تفسير الآلوسي 7/321].
ثالثًا: أقوال بعض أهل العقيدة في أسماء الله (الخالق - الخلاق):
1- قال شيخ الإسلام ابن تيمية: فإن اليهود شبهوا الخالق بالمخلوق فيما يختص بالمخلوق وهو صفات النقص الذي يجب تنزيه الرب عنها والنصارى شبهوا المخلوق بالخالق فيما يختص بالخالق وهو صفات الكمال التي لا يستحقها إلا الله تبارك وتعالى فقال من قال من اليهود {إن الله فقير ونحن أغنياء} [آل عمران: 181] وقالوا {يد الله مغلولة} [المائدة: 64] وهو بخيل وقالوا أنه خلق العالم فتعب فاستراح.
وحكي عن بعضهم أنه قال: بكى على الطوفان حتى رمد وعادته الملائكة وأنه ناح على بعض من أهلكه من عباده كما ينوح المصاب على ميته وأمثال ذلك مما يتعالى الله عنه ويتقدس - سبحانه وتعالى.
وأيضا فهم يستكبرون عن عبادة الله وطاعة رسله ويعصون أمره ويتعدون حدوده ولا يجوزون له أن ينسخ ما شرعه بل يحجرون عليه.
والنصارى يصفون المخلوق بما يتصف به الخالق فيجعلونه رب العالمين خالق كل شيء ومليكه الذي هو بكل شيء عليم وعلى كل شيء قدير واتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون واتخذوا الملائكة والنبيين أربابا وصوروا تماثيل المخلوقات واتخذوهم شفعاء يشفعون لهم عند الله كما فعل عباد الأوثان كما قال: الله تعالى
{ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض} [يونس: 18]
ولهذا قال - تعالى -:
{وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع لعلهم يتقون} [الأنعام: 51]
وقال - تعالى -: {الله الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع} [السجدة: 4]
والمسلمون وسط يصفون الله بما وصف به نفسه ووصفه به رسله من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل يصفونه بصفات الكمال وينزهونه عن النقائص التي تمتنع على الخالق ولا يتصف بها إلا المخلوق فيصفونه بالحياة والعلم والقدرة والرحمة والعدل والإحسان وينزهونه عن الموت والنوم والجهل والعجز والظلم والفناء ويعلمون مع ذلك أنه لا مثيل له في شيء من صفات الكمال فلا أحد يعلم كعلمه ولا يقدر كقدرته ولا يرحم كرحمته ولا يسمع كسمعه ولا يبصر كبصره ولا يخلق كخلقه ولا يستوي كاستوائه ولا يأتي كإتيانه ولا ينزل كنزوله كما قال - تعالى -:
{قل هو الله أحد} [الإخلاص: 1] {الله الصمد} [الإخلاص: 2] {لم يلد ولم يولد} [الإخلاص: 3] {ولم يكن له كفوا أحد} [الإخلاص: 4]
ولا يصفون أحدا من المخلوقين بخصائص الخالق جل جلاله بل كل ما سواه من الملائكة والأنبياء وسائر الخلق فقير إليه عبد له وهو الصمد الذي يحتاج إليه كل شيء ويسأله كل أحد وهو غني بنفسه لا يحتاج إلى أحد في شيء من الأشياء كما قال - تعالى -:
{وقالوا اتخذ الرحمن ولدا} [مريم: 88] {لقد جئتم شيئا إدا} [مريم: 89] {تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا} [مريم: 90] {أن دعوا للرحمن ولدا} [مريم: 91] {وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا} [مريم: 92] {إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا} [مريم: 93] {لقد أحصاهم وعدهم عدا} [مريم: 94] {وكلهم آتيه يوم القيامة فردا} [مريم: 95]
وقال - تعالى -:
{ياأهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيرا لكم إنما الله إله واحد سبحانه أن يكون له ولد له ما في السماوات وما في الأرض وكفى بالله وكيلا} [النساء: 171] {لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعا} [النساء: 172] {فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله وأما الذين استنكفوا واستكبروا فيعذبهم عذابا أليما ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا} [النساء: 173]
وكذلك هم في المسيح فالنصارى يقولون هو الله ويقولون أيضا هو ابن الله وهو إله تام وإنسان تام واليهود يقولون هو ولد زنا وهو ابن يوسف النجار ويقولون عن مريم إنها بغي بعيسى كما قال - تعالى -:
{وقولهم على مريم بهتانا عظيما} [النساء: 156]
ويقولون هو ساحر كذاب.
وأما المسلمون فيقولون هو عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول وروح منه وهو وجيه في الدنيا والآخرة ومن المقربين ويصفونه بما وصفه الله به في كتابه لا يغلون فيه غلو النصارى ولا يقصرون في حقه تقصير اليهود وكذلك قولهم في سائر الأنبياء والمرسلين وفي أولياء الله فاليهود قتلوا النبيين والذين يأمرون بالقسط من الناس والنصارى اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح بن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون ومع هذا فقد شارك النصارى اليهود في نقص حق كثير من الأنبياء فيقولون أن سليمان لم يكن نبيا ويقولون إن الحواريين مثل موسى وإبراهيم ويقولون إن من عمل بوصايا الله من غير الأنبياء صار مثل الأنبياء وكان له أن يشرع شريعة وبعض اليهود غلوا في العزير حتى قالوا إنه ابن الله.
ولهذا قال نبينا في الحديث الصحيح «لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم، فإنما أنا عبد الله فقولوا عبد الله ورسوله» .. [الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح، تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم بن محمد ابن تيمية الحراني الحنبلي الدمشقي (المتوفى: 728هـ)، 2/140 - 145].
2- قال ابن القيم: إثبات نوعي توحيده تعالى توحيد الربوبية المتضمن أنه وحده الرب الخالق الفاطر وتوحيد الإلهية المتضمن أنه وحده الإله المعبود المحبوب الذي لا تصلح العبادة والذل والخضوع والحب إلا له.
[بدائع الفوائد، محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن قيم الجوزية (المتوفى: 751هـ)، 4/132].
الله وحده هو الخالق وما سواه مخلوق [بدائع الفوائد لابن القيم 1/17].