من أسماء الله الحسنى الخالق - الخلاق - من كتاب النهج الأسمى في أسماء الله الحسنى
معنى “الخالق” “الخلاق” في اللغة: اعلم أنَّ الخَلْق في كلام العرب على وجهين: أحدهما: الإنْشاء على مثالٍ أبْدعه لم يُسْبق إليه، أحْدثه بعد إذْ لم يكن. والآخر: التقدير، وخَلَق الأديم يَخْلقه خَلقاً: قدّره لما يُريد قبل القَطع؛ وقاسَه ليقطع منه مَزَادةً أو قِرْبة أو خُفَّاً. فمن الأول: قوله تعالى:
(وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً) (العنكبوت: 17)
أي: تقدرونه وتهيئونه، وهو كذب؛ كقوله تعالى:
(إنً هّذّا إلاَّ اخًتٌلاقِ) (ص: 7)
اسم الله “الخالق” و”الخلاق” في القرآن الكريم: ورد اسمه”الخَالق” في أحد عشر موضعاً في القرآن منها: قوله تعالى:
(هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ) (الحشر: 24)
وقوله تعالى: (فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) (المؤمنون: 14)
وقوله تعالى: (أَفَرَأَيْتُم مَّا تُمْنُونَ * أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ) (الواقعة: 58-59)
وغيرها من الآيات. وجاء الاسم بصيغة المبالغة مرتين: في قوله تعالى:
(إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ) (الحجر:86)
وقوله سبحانه: (بلى وهو الخلاق العليم) (يس:81)
معنى “الخالق” و”الخلاق” في حق الله تبارك وتعالى: الخَلْقُ كما بيّنّا يُراد به الإيجاد والإبْداع تارة، والتقدير تارة أخرى، فمَن الآيات التي تدلُّ على المعنى الأول: قوله تعالى:
(أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ) (يس:71)
وقوله تعالى: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) (القمر: 49)
ولو كان الخَلق هاهنا عبارة عن التقدير، لصار معنى الآية: إنَّا كل شيءٍ قدّرناه بقدر، فيكون تكريراً بلا فائدة. وكذا قوله تعالى:
(وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً) (الفرقان:2)
فلو كان الخَلْق عبارة عن التقدير؛ لصار معنى الآية: وقدّر كل شيءٍ فقدّره تقديراً. وكذا قوله تعالى:
(كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ) (الأنبياء: 104)
فلا يليق بلفظ الخلق هنا إلا الإيجاد. وقوله تعالى:
(هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ) (لقمان: 11)
مثلها أيضاً في المعنى، بل قد جاءت بعض الآيات ذُكِر فيها الخلق مقروناً باليد؛كقوله تعالى:
(قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ) (ص: 75)
قال ابن جرير في تفسيرها: “قال الله لإبليس إذْ لم يَسْجد لآدم وخالف أمره: يا إبْليس ما منعك أنْ تسجد، يقول: أيُّ شيء مَنَعك من السجود لما خَلقت بيديّ، يقول: لخَلق يديّ، يُخبر تعالى ذِكْره بذلك أنه خَلق آدم بيديه. ثم روى عن ابن عمر قال:”خَلَق الله بيده: العرش؛ وعدن؛ والقلم؛ وآدم، ثم قال لكلّ شيءٍ: كُنْ فكان” . وقال في تفسير قوله تعالى: (فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) (المؤمنون: 14) بقول مجاهد، وهو: يَصْنعون ويصنع الله؛ والله خيرُ الصانعين، ثم قال: لأنّ العرب تُسمّي كلَّ صانعٍ خالقاً . وقال الخطابي:”الخَالق”: هو المُبْدع للخَلْق؛ والمُخْترع له على غيرِ مثالٍ سبق. قال سبحانه:
(هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ) (فاطر: 3)
فأمّا في نُعُوت الآدميين؛ فمعنى الخَلق: التَّقدير، كقوله عز وجل: (أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ) (آل عمران: 49). وقال الزجّاج: فالخَلق في اسْم الله تعالى؛ هو ابتداءُ تقدير النَّشء، فالله خَالقها ومُنْشئها؛ وهو مُتمّمها ومُدبّرها، فتبَارك اللهُ أحْسنُ الخالقين. وقال الحُليمي: قال الله عز وجل: (هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ) (فاطر:3). ومعناه: الذي صَنَّف المُبْدعات، وجعلَ لكلِّ صِنْفٍ منها قَدْراً، فوُجد فيها الصغير والكبير؛ والطويل والقصير، والإنسان والبَهيم والدّابة والطائر، والحيوان والموات، ولا شك في أن الاعتراف بالإبْداع؛ يَقْتضي الاعتراف بالخَلْق، إذْ كان الخَلْق هيئة الإبْداع؛ فلا يُغني أحدُهما عن الآخر. وقال:”الخَلّاق” ومعناه: الخَالق خَلقاً بعد خَلْق.