أثرُ الذنوبِ والمعاصِي في ضَعْفِ تعظيمِ الله في القلبِ


أحمد بن عثمان المزيد

قالَ الإمامُ ابنُ القيمِ: «ومن عُقُوباتِها ـ أي الذنوبُ والمعاصي ـ أنها تُضْعِفُ في القلبِ تعظيمَ الربِّ جلَّ جلالُه وتضعِفُ وقَارَهُ في قلبِ العبدِ ولا بدَّ شاءَ أم أبى، ولو تمَكَّنَ وقَارُ اللهِ وعظمتُه في قلبِ العبدِ لما تجرَّأَ على معاصِيه.

وربَّما اغتَرَّ المغتَرُّ وقال إنما يحمِلُني على المعاصِي حسنُ الرجاءِ وطَمَعِي في عَفْوِهِ لا ضعفُ عظمتِه في قلبِي وهذا من مغالطةِ النفسِ؛ فإنَّ عظمةَ اللهِ تعالى وجلالَه في قلبِ العبدِ وتعظيمَ حرماتِه يحولُ بينَه وبينَ الذنوبِ، والمتجرِّؤنَ على معاصِيه ما قَدَرُوه حقَّ قدرِه، وكيفَ يَقْدُرُهُ حقَّ قدرِه أو يعظِّمُه أو يكَبِّرُه أو يرجُو وقارَه ويُجِلُّهُ من يهونُ عليهِ أمْرُهُ ونَهْيُهُ؛ هذا من أمحلِ المحالِ وأبينِ الباطلِ، وَكَفَى بالعاصِي عقوبةً أَنْ يَضْمَحِلَّ من قَلْبِهِ تعظيمُ اللهِ جلَّ جلالُه وتعظيمُ حرماتِه، ويهونَ عليهِ حَقُّهُ.

ومن بعضِ عقوبةِ هذا أن يرفَعَ اللهُ عزَّ وجلَّ مهابَتَهُ من قلوبِ الخلقِ ويهونُ عليهم ويستخِفُّونَ به كما هَانَ عليه أَمْرُهُ واستَخَفَّ به، فعلى قدرِ محبةِ العبدِ للهِ يحِبُّهُ النَّاسُ، وعلى قَدْرِ خَوْفِهِ منَ اللهِ يخافُهُ الناسُ، وعلى قدرِ تعظِيمِه للهِ وحرماتِه يُعَظِّمُ الناسُ حرمَاتِهِ.

وكيفَ يَنْتَهِكُ عبدٌ حرماتِ اللهِ ويطمَعُ أنْ لا يَنْتَهِكَ الناسُ حرماتِه، أم كيفَ يهونُ عليهِ حقُّ اللهِ ولا يُهَوِّنُهُ اللهُ على الناسِ، أم كيفَ يستخِفُّ بمعاصِي اللهِ ولا يستخِفُّ به الخلقُ. وقدْ أشارَ سبحانَهُ إلى هذا في كتابِهِ عندَ ذِكْرِ عقوباتِ الذنوبِ وأنَّهُ أَرْكَسَ أربابَها بما كَسبُوا، وغَطَّى على قلوبِهم وطَبَعَ عليها بذنوبِهم، وأنَّه نسيَهُمْ كما نَسُوهُ، وأهانَهُمْ كما أهانُوا دينَه، وضَيَّعَهُم كما ضَيَّعُوا أمرَهُ؛ ولهذا قال تعالى في آيةِ سجودِ المخلوقاتِ له: 

﴿وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ﴾

[الحج:18]

فإنَّهم لما هانَ عليهِمُ السجودُ له واستَخَفُّوا بِهِ ولم يَفْعَلُوهُ، أهانَهُم فلم يَكُنْ لهم مِنْ مُكْرِمٍ بعدَ أنْ أهانَهُمْ، ومَنْ ذا يُكْرِمُ من أهانَهُ اللهُ أو يُهِنْ من أَكْرَمَ»


السابق التالى

مقالات مرتبطة بـ أثرُ الذنوبِ والمعاصِي في ضَعْفِ تعظيمِ الله في القلبِ

  • تعظيمُ الأمرِ والنهيِ

    أحمد بن عثمان المزيد

    وهذا يدلُّ على أن أولَ مراتبِ التعظيمِ هي تعظيمُ الأمرِ والنهيِ، وقد ذكر ذلك ابنُ القيمِ فقال: «تعظيمُ الأمرِ

    17/11/2021 1455
  • تهيأ و اخشع

    محمد خير رمضان يوسف

    عندما ترفعُ يدكَ إلى الله ، فإنّه سبحانهُ يريدُ منكَ نبضًا في القلبِ قبلَ حركةٍ في اليد ، فتهيأْ لذلك و اخشع

    01/05/2018 1487
  • عبادةُ التعظيمِ

    أحمد بن عثمان المزيد

    إن تعظيمَ اللهِ ﷻ من أعظمِ العباداتِ التي غفلَ عنها كثيرٌ من الناسِ، فساءتْ أحوالُهم، وانقلبتْ موازينُهم، وتلاعبتْ

    09/11/2021 741
معرفة الله | علم وعَملIt's a beautiful day