الحمدُ من طرقِ تعظيمِِ الله تعالى
ومن الوسائلِ التي تُفضِي إلى تعظيمِ اللهِ تعالى وإجلالِه: كثرةُ حمدِه سبحانه وتعالى والثناءِ عليه سبحانه وشكرِه على نعمِه. وقدْ روى البخاريُّ عن أبي أمامةَ أنَّ النبيَّ ﷺ كانَ إذا رَفَعَ مائدتَه قال:
«الحمدُ للهِ حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، غيرَ مكفيٍّ، ولا مودَّعٍ، ولا مستغنَىً عنه».
فاللهُ تعالى لا يستطيعُ أحدٌ أن يكافِيه على إنعامِه أبدًا، لأنَّ شكرَه سبحانه هو نعمةٌ من نِعَمِه كما قيل:
إذا كان شكري نعمة الله نعمة عليَّ له في مثلها يجب الشكــر
فكيف وقوع الشكر إلا بفضله وإن طالت الأيام واتصل العمر
إذا مس بالسراء عم سرورها وإن مس بالضراء أعقبها الأجر
فمــا منهمــا إلا له فيه نعمــة تضيق بها الأوهام والسر والجهر
﴿قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾
[يونس:68].
وحمدُ نفسِه على عدمِ الشريكِ، المتضمِّنِ تفرُّدِه بالربوبيَّةِ والإلهيَّةِ، وتوحُّدِه بصفاتِ الكمالِ التي لا يوصَفُ بها غيرُه، فيكونُ شريكًا له. فلو عَدِمَها لكانَ كلُّ موجودٍ أكملَ منه. لأنَّ الموجودَ أكملُ من المعدومِ. ولهذا لا يحمدُ نفسَه سبحانه بعدمٍ، إلا إذا كانَ متضمِّنًا لثبوتِ كمالٍ. كما حَمِدَ نفسَه بكونِه لا يموتُ لتضمُّنِه كمالَ حياتِه.
وحَمِدَ نفسَه بكونِه لا تأخُذُه سنةٌ ولا نومٌ، لتضمُّنِ ذلك كمالَ قيوميَّتِه.
وحَمِدَ نفسَه بأنَّه لا يعزُبُ عن علْمِهِ مثقالُ ذرةٍ في الأرضِ ولا في السماءِ، ولا أصغرُ من ذلك ولا أكبرُ، لكمالِ علمِه وإحاطتِه.
وحَمِدَ نفسَه بأنَّه لا يظلِمُ أحدًا، لكمالِ عدلِه وإحسانِه.
وحَمِدَ نفسَه بأنَّه لا تدركُه الأبصارُ، لكمالِ عظمَتِه، يُرى ولا يُدْرَكُ، كما أنه يُعْلَمُ ولا يُحَاطُ به علمًا. فمجرَّدُ نفْيِ الرؤيةِ ليسَ بكمالٍ. لأنَّ العدمَ لا يُرى. فليسَ في كونِ الشيءٍ لا يُرَى كمالٌ ألبتةَ. وإنَّما الكمالُ في كونِه لا يحاطُ به رؤيةً ولا إدراكًا، لعظمَتِه في نفسِه، وتعلِّيهِ عن إدراكِ المخلوقِ له. وكذلكَ حَمِدَ نفسَه بعدمِ الغفلةِ والنسيانِ، لكمالِ علمِه.
فكلُّ سَلْبٍ في القرآنِ حَمِدَ اللهُ به نفْسَه فلمضادَتِه لثبوتِ ضِدِّه، ولتضمُّنِه كمالَ ثبوتِ ضِدِّهِ. فعلمت أنَّ حقيقةَ الحمدِ تابعةٌ لثبوتِ أوصافِ الكمالِ، وأنَّ نفيَها نفيٌ لحمدِه، ونفيُ الحمدِ مستلزمٌ لثبوتِ ضدِّه.