الحديث الثلاثون حديث الخدمة
- قال ابن أبي الدنيا رحمه الله: حدثنا علي بن الجعد، حدثني محمد بن يزيد، عن بكر بن خنيس، عن عبدالله بن دينار، عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَنْ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللهِ؟ قَالَ: "أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وَإِنَّ أَحَبِّ الْأَعْمَالِ إِلَّى اللهِ سُرُورٌ تَدْخِلُهُ عَلَى مُؤْمِنٍ تَكْشِفُ عَنْهُ كَرْباً، أَوْ تَقْضِيِ عَنْهُ دَيْناً، أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعاً؛ وَلَأَنْ أَمْشِيِ مَعَ أَخِي الْمُسْلِمِ فِي حَاجَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ شَهْرَيْنِ فِي مَسْجِدِ، وَمَنْ كَفَّ غَضَبَهُ سَتَرَ اللهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ - وَلَوْ شَاءَ أَنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ - مَلَأَ اللهُ قَلْبَهُ رِضًا، وَمَنْ مَشَى مَعَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ فِي حَاجَةِ حَتَّى يُثْبِتَهَا لَهُ ثَبَّتَ اللهُ قَدَمَهُ يَوْمَ تَزِلُّ فِيهِ الْأقْدَامُ، وَإِنَّ سُوءَ الخُلُقِ لَيُفْسِدُ الْعَمَلَ كَمَا يُفْسِدُ الخلُّ العَسَلَ".
الحكم على الحديث
قضاء الحوائج (36)، واصطناع المعروف لابن أبي الدنيا (92- مكرر)
وقال الألباني رحمه الله: إسناد حسن. الصحيحة (906)
أهمية الحديث
1- خدمة المسلمين لوجه الله دين وقربة يحبها الله
2- إيثار السعي لقضاء حوائج المسلمين على ما يوافق الهوى من طاعات
3- حسن الخلق المفتاح السحري للقلوب
غريب الحديث
1- كف غضبه: منعه
2- كظم غيظه: حفظ نفسه من أن تمضي ما هي قادرة على إمضائه؛ باستمكانها ممن غاظها، وانتصارها ممن ظلمها
3- يمضيه: ينفذه 4- حتى يثبتها: حتى تتهيأ
فوائد الحديث
1- حب الله غاية يشمر إليها الربانيون، وتعلمنا من الصحابة البحث الحثيث عن أسباب جلب حب الله للعبد
2- ثم علو الهمة تجده في سؤال الصحابة: من أحب الناس إلى الله؟
ليس كيف يحبني الله؟ ولكن كيف أكون أحب الناس إلى الله؟
3- تعجب من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يذكر لهم اسم شخص هو أحب الناس إلى الله، ولم يذكر لهم صفة واحدة فقط بل كدأبه صلوات الله وسلامه عليه أبان لهم عن كل سبب يجلب هذا المقام ويرفع إلى هذه الدرجة
4- "أنفعهم للناس". سبحان الملك! خدمة الناس ونفعهم ومساعدتهم والإحسان إليهم عمل محبب إلى الله سبحانه وتعالى
ولذا سميناه حديث الخدمة إشارة إلى خدمة المسلمين وأن هذا من الدين، وخدمة المسلمين أيضاً سبيل دعوة، والإحسان إليهم دعوتهم إلى حب الله وحب الدين وحب أهل الشرع والدين
5- انظر أخي الحبيب إلى قصة أصحاب الأخدود، وكيف استطاع الغلام أن يجمع حوله القلوب بالإحسان إليهم واستغل هذه الخدمات في دعوتهم إلى التوحيد والخلوص من الشرك؛ قال
"إِنِّي لَا أَشْفِي أَحَدًا إِنَّمَا يَشْفِي اللَّهُ، فَإِنْ أَنْتَ آمَنْتَ بِاللَّهِ دَعَوْتُ اللَّهَ فَشَفَاكَ. فَآمَنَ بِاللَّهِ فَشَفَاهُ اللَّهُ"
(1). ليتنا نتخذ هذا نبراساً؛ أن يكون الإحسان إلى الناس وخدمة الناس بمقابل واضح؛ وهو الإيمان بالله
6- وإن أحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مؤمن". يا الله! الله جل جلاله يحب للمسلم أن يفرح ويحب من يدخل السرور على قلبه، سبحان الملك! ألا يزيد هذا حب الله في قلبك؟
اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام، ولك الحمد أن هديتنا إلى أن نعبدك، أنت ربنا فنعم الرب ربنا
7- الله يحب للمسلم أن يسعد ويسر، والشيطان يحب أن يحزن المؤمن ويتألم؛
(إِنَّمَا ٱلنَّجْوَىٰ مِنَ ٱلشَّيْطَٰنِ لِيَحْزُنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا} [المجادلة: 10].
فلذلك كل نية وهمة في إدخال السرور على مسلم فهي همة ربانية، وكل فعل أو قول او عزم أو نية في ادخال الحزن على مسلم فهي من نزغات الشياطين
فليكن إدخال السرور على المسلمين همك أيها الرباني الحريص على أن يحبك الله
8- "ولأن أمشي". السعي في حاجة المسلم أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الاعتكاف، سبحان الله! لعله في أن المشي مشقة وتعب وخصوصاً أنه ليس له في هذا السعي مصلحة شخصية له، أما الاعتكاف ففيه راحة وحظ نفس
______________________
أخرجه مسلم (3005)
ولعله بعيداً عن هذا، حمل هم المسلمين والسعي في مصالحهم وإدخال السرور عليهم وتفريج كرباتهم يكون كل هذا باب خير فتحه الله له فكان هذا كل همه
9- "كف غضبه". "كظم غيظه". لا بد للإنسان من أن يغضب ويتغيظ أحياناً ما يجري حوله ممن حوله، والوعود على ذلك عظيمة؛ "ستر الله عورته". "ملأ الله قلبه رضا". وإنما هي لحظة؛ لحظة غضب إن كففته في هذه اللحظة مر وانتهى، وغيظك للحظات إن كظمته وتجرعته فزت فوزاً عظيماً
فحيهلا وطن نفسك منذ الآن على كف الغضب وكظم الغيظ
10- "ومن مشى مع أخيه". كثيراً ما يحتاج الأخ إلى أن يمشي معه أخ في حاجته، ويحتاج إلى الصبر حتى يثبتها له
إنه لعمل عظيم ومواساة كريمة أن يمشي معه يشعر فيها بمعاني الأخوة والحنان، إن المشاركة الفعلية والعاطفية أيضاً في المشي والصبر لتعمل عملها في القلوب، ثم يكون رضا وتيسير الأمور بالإخلاص في هذه الموادات
11- بعد كل تلك الأخلاق الطيبة والمكارم النبيلة يأتي التحذير من سوء الخلق، فقد يتم العمل ثم يفسده سوء الخلق، فالحذر كل الحذر من أن يصحب الإحسان سوء خلق ينبئ عن الضجر او التأفف أو المن أو التوبيخ أو غيرها، احذر أن تفسد عملك الجميل الحلو كالعسل بخلق سيئ مر كريه كالخل؛ قال تعالى
{قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍۢ يَتْبَعُهَآ أَذًى ۗ وَٱللَّهُ غَنِىٌّ حَلِيمٌ } [البقرة: 263].
اللهم استعملنا لخدمة الدين والمسلمين وارزقنا الإخلاص في القول والعمل