الحديث الثامن والعشرون حديث العافية
- قال الإمام أحمد رحمه الله: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ وَأَبُو عَامِرٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ - يَعْنِي ابْنَ مُحَمَّدٍ - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ - يَعْنِي ابْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ - عَنْ مُعَاذِ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَبِيهِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ، قَالَ سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ حِينَ ذَكَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ، ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي هَذَا الْقَيْظِ عَامَ الْأَوَّلِ: "سَلُوا اللَّهَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ وَالْيَقِينَ فِي الْآخِرَةِ وَالْأُولَى".
الحكم على الحديث
المسند (6). وقال الأرنؤوط رحمه الله: إسناده حسن
- وفي رواية
"سَلُوا اللَّهَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فَإِنَّ أَحَدًا لَمْ يُعْطَ بَعْدَ الْيَقِينِ خَيْرًا مِنْ الْعَافِيَةِ
. سنن الترمذي (3558). وقال الألباني رحمه الله: صحيح. صحيح الترمذي (2821)
وفي رواية: "سَلُوا اللَّهَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ والمعافاة؛ فإِنَّهُ مَا أُوتِي عَبْد بَعدَ يَقِين خيراً مِن معافاة". السنن الكبرى للنسائي (10651)
أهمية الحديث
1- معرفة العافية وأهميتها
2- أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بسؤال العافية والتركيز عليها، فلا ينبغي أن نغفل عنها في دعائنا
3- أهمية اقتران العافية باليقين
فوائد الحديث
1- الدعاء من القضايا المحورية في حياة العبد الرباني، فإنما تقوم حياته الإيمانية كلها على الدعاء؛ قال صلى الله عليه وسلم: "الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ" (1)
بل قال الله تعالى
{قُلْ مَا يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّى لَوْلَا دُعَآؤُكُمْ ۖ } [الفرقان: 77].
وأمر به سبحانه ، وقال
{وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ" [غافر: 60].
وقال صلى الله عليه وسلم
"مَنْ لَمْ يَسْأَلْ اللَّهَ يَغْضَبْ عَلَيْهِ" (2)
2- ولكن ماذا يسأل العبد ربه؟ تلك قضية خطيرة جداً
- نعم يسأله كل خير في الدنيا والآخرة ولكن قد تفوته أشياء؛ قال تعالى
{فَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَآ ءَاتِنَا فِى ٱلدُّنْيَا وَمَا لَهُۥ فِى ٱلْأَخِرَةِ مِنْ خَلَٰقٍۢ} [البقرة: 200]
- وهناك من يعتدى في الدعاء وهذا خطر كبير؛ قال سبحانه
{ٱدْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ} [الأعراف: 55].
وقال صلى الله عليه وسلم: "يَكُونُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ قَوْمٌ يَعْتَدُونَ فِي الدُّعَاءِ وَالطَّهُورِ" (3)
______________________
أخرجه أحمد (18391). وقال الأرنؤوط: إسناده صحيح.
أخرجه الترمذي (3373)، وابن ماجه (3827). وقال الألباني: حسن. صحيح الترمذي (2686).
أخرجه أحمد (16796). وقال الأرنؤوط: حسن لغيره.
- وهناك من يسأل الله ما لا ينبغي؛ قال تعالى
{ فَلَا تَسْـَٔلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِۦ عِلْمٌ ۖ} [هود: 4
كل هذا يبين لك خطر الدعاء، وأن الحذر كل الحذر أن يغضب الله عليك بسبب دعائك، فيلجئك هذا إلى أدعية الكتاب والسنة والالتزام بها وعدم الاعتداء بالزيادة عليها، وإلى هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الدعاء، ثم إلى الأدعية التي أوصى بها
3- في بكاء سيدنا أبي بكر رضي الله عنه عند ذكر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إشارة لما سبقت الإشارة إليه من حب العاطفة المتدفقة من القلب لسيدنا النبي صلى الله عليه وسلم، إنه الحب الصادق والعاطفة المتأججة
هل لي أن أسألك أخي العابد الرباني: كيف حال قلبك حين تذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ألا يهيجك الشوق للقائه واشتهاء الشرب من يده إلى البكاء؟؟
4- توجيه رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمة إلى سؤال الله العافية متكرر وكثير في أحاديث متعددة؛ وذلك لأهمية قضية العافية، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"لَمْ تُؤْتَوْا شَيْئًا بَعْدَ كَلِمَةِ الْإِخْلَاصِ مِثْلَ الْعَافِيَةِ فَاسْأَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ" (1).
5- العافية: السلامة في الدين من الفتنة والسلامة في البدن من سيئ الأسقام وشدة المحنة
6- العفو والعافية والمعافاة: إزالة الشرور الماضية بالعفو، ودفع الشرور الحاضرة بالعافية، والحفظ من الشرور المستقبلة بالمعافاة
______________________
أخرجه أحمد (10). وقال الأرنؤوط: صحيح لغيره
7- اليقين: إشارة إلى عافية القلب من مرض الجهل والشك، فعافية القلب أعلى من عافية البدن وأخطر وأهم
8- الدعاء بالعافية والمداومة على سؤال الله العافية أفضل من غيره من الأدعية لاشتماله على طلب كل نفع ودفع كل ضر؛ قال مطرف رحمه الله: نظرت في الخير الذي لا شر فيه فلم أر مثل المعافاة والشكر (1)
9- الدعاء بالعافية أمان؛ عن أنس، مر بقوم مبتلين، فقال: "أما كان هؤلاء يسألون الله العافية؟" (2)
10- الدعاء بالعافية تصويب لأحسن الدعاء؛ قَالَ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه. مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ وَهُوَ يَقُولُ: ا
للَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الصَّبْرَ. فَقَالَ: "قَدْ سَأَلْتَ الْبَلَاءَ فَسَلْ اللَّهَ الْعَافِيَةَ (3)
11- الدعاء بالعافية دعاء بموجب أسمائه وصفاته؛ عن عَائِشَةُ رضي الله عنها، قالت: يَا ايها نَبِيَّ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ وَافَقْتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ مَا أَقُولُ؟ قَالَ: "
تَقُولِينَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ، تُحِبُّ الْعَفْوَ، فَاعْفُو عَنِّي" (4)
12- إذا مطلبك أيها الرباني وكل دعائك يتركز في هذه الأربعة وفقك الله؛ اليقين والعفو والعافية والمعافاة
اللهم إنا نسألك العافية وتمام العافية ودوام العافية والشكر على العافية
______________________
أخرجه وكيع في الزهد (195)، وعبد الرزاق (20468)، وأحمد في الزهد (1339)، وهناد في الزهد (442).
أخرجه البزار (6643). وقال الألباني: إسناد صحيح. الصحيحة (2197).
أخرجه أحمد (22017). وقال الأرنؤوط: إسناده حسن.
أخرجه أحمد (25384). وقال الأرنؤوط: إسناده صحيح.