الحديث السادس والعشرون حديث الأولياء
- قال
البخاري رحمه الله: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ كَرَامَةَ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، حَدَّثَنِي شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ؛ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ".
الحكم على الحديث:
صحيح البخاري (6502).
أهمية الحديث
1- الاستشراف لمنزلة أن تكون من أولياء الله الصالحين.
2- تحقيق من هم أولياء الله الصالحون؟
3- زيادة حب الله في القلب بإكرامه سبحانه للأولياء.
غريب الحديث
1- ولياً: من تولى الله أمره، وأولياء الله هم أحبابه المقربون.
2- آذنته: أعلمته.
فوائد الحديث
1- حديث الأولياء هو حديث الولاية وإثبات أن لله أولياء ينالون عنايته ورعايته سبحانه، فلهم عنده معية خاصة فهم في صونه وعنايته سبحانه؛ قال تعالى: {أَلَآ إِنَّ أَوْلِيَآءَ ٱللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [يونس: 62].
2- كثرت الدعاوى في توصيف هؤلاء الأولياء وتصنيفهم، ولسنا نقر ولا نثبت إلا ما أثبته الله في كتابه، أو صح عن رسوله صلى الله عليه وسلم بأسانيد الأثبات، فإن هذه المسألة قد حدث منها ضلال كبير.
أما في القرآن فأثبت سبحانه لهم صفتين:
{أَلَآ إِنَّ أَوْلِيَآءَ ٱللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس: 62- 63]
. فالإيمان مع التقوى شركهم اللازم.
وفي السنة حديث الباب؛ إصلاح الفرائض وزيادة النوافل.
وفي علاماتهم؛ أن الله يدافع عنهم، ولهم البشرى، وأن الولي يسمع ويبصر ويبطش بتوفيق الله وعنايته على بصيرة.
3- الخلاصة أن الولاية تحصل بهذه الأربعة؛ الإيمان، التقوى، إصلاح الفرائض والتحبب إلى الله بها، زيادة النوافل والمداومة عليها.
4- عداوة الأولياء - مجرد عداوتهم ولو باطنا - تستجلب حرب الله لمن عاداهم، ومن له طاقة بحرب الله سبحانه؟
5- الأولياء هم الأتقياء الأخفياء، فالحذر من معاداة أحد من المسلمين المتَّسمين بالسنة والكتاب لكونه قد يكون من الأولياء وأنت لا تعلم، فلا تحتقر أحداً ولا تستهزئ بأحد، ولا تستهن بأحد.
6- الفرائض التي افترضها الله على العباد هي أحب الأعمال إليه، فاحذر أن يكون عمل أحب إليك من الفرائض أو تؤثره عليها بهواك، بل ابدأ بما بدأ الله به، وأحب ما يحبه الله، وليكن هو الأحب إليك، وقدم ما قدمه الله مع اعتقادك حقه في التقديم، هذا من الأدب القلبي مع الله.
7- لما كان الأولياء المقربون تقربوا إليه بجميع ما يقدرون عليه من محبوباتهم أحبهم الرب حباً تاماً، ولما كانت أعمالهم كلها عبادات لله - حتى صارت المباحات في حقهم طاعات - شربوا صرفاً في الجنة كما عملوا له صرفاً في الدنيا، والمقتصدون كان في أعمالهم مزجوا في أعمالهم ترك بعض المستحبات مزج لهم من شراب المقربين بحسب ما مزجوه في الدنيا.
8- من اجتهد بالتقرب إلى الله بالفرائض ثم بالنوافل قربه إليه، ورقاه من درجة الإيمان إلى درجة الإحسان، فيصير يعبد الله على الحضور والمراقبة، فيمتلئ قلبه بمعرفة الله تعالى ومحبته، وعظمته وخوفه ومهابته وإجلاله والأنس به والشوق إليه، حتى يصير هذا الذي في قلبه من المعرفة مشاهداً له بعين البصيرة.
9- آنسك بقربه بعد طول الوحشة والاغتراب، ومن تقرب إليك أولاً حتى تقربت إليه؟ ثم أثابك على هذا التقرب تقرباَ آخر، فصار التقرب منك محفوفاً بتقربين منه تعالى؛ تقرب بعده، وتقرب قبله.
10- "وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ". تفيد المداومة والاستمرار والدأب في زيادة النوافل؛ لأن النفس لعلمها أنها نوافل قد تفتر عنها وتتساهل في تركها، وشرط حصول الأجر المذكور المداومة عليها، وزيادة باستمرار.
11- الثواب العظيم والأجر الكبير لمن أصلح الفرائض وأحب والتزم الإتيان بالفرائض وأكملها أولاً على وجههاً، ثم داوم على زيادة النوافل - أجر ذلك حب الله، ويا له من وعد يستحق العمل له
وَفِى ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ ٱلْمُتَنَٰفِسُونَ} [المطففين: 26]!
12- ثم ثمرة ذلك الحب وأثره ونتيجته أن يكون العبد المحبوب موفقاً؛ فسمعه وبصره ويده ورجله، بل وكل جوارحه يحصل لها توفيق وتسديد وإعانة من الله عز وجل، فتكون جوارحه محل توفيق الله عز وجل له؛ فلا يفعل إلا بتيسير الله له؛
{فَسَنُيَسِّرُهُۥ لِلْيُسْرَىٰ} [الليل: 7].
13- "وما ترددت". نثبتها ونتركها كما هي؛ أمروها كما جاءت.
14- "وأنا أكره مساءته". سبحان الملك! هذا والله، مما يخضع له القلب ويخشع؛ أن يحب الله عبده ويكره أن يسوءه شيء.
سبحان الملك الكريم! سبحان الملك العظيم! الله لا يحب أن يساء هذا العبد من شيء، هنا يعجز اللسان والسكوت أولى.
اللهم اجعلنا من أحبابك، اللهم اجعلنا من أوليائك