آخر آية نزلت
قال الله تعالى:
{وَٱتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِ ۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍۢ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [البقرة: 281].
ترشد الآية الكريمة إلى تذكر اليوم الذي يرجع الناس فيه إلى الله تعالى، وهو يوم القيامة، وتطلب من المخاطبين تقديم العمل الصالح لذلك اليوم، حيث يحاسب الناس على أعمالهم صغيرها وكبيرها بالعدل إذ لا ظلم في ذلك اليوم.
وهذا المعنى الذي تذكره الآية الكريمة تكرر في القرآن الكريم كثيراً، فقضية الإيمان باليوم الآخر هي إحدى أركان الإيمان، وكثيراً ما يأتي ذكر الإيمان بهذا اليوم مقترناً بالإيمان بالله تعالى.
والإيمان باليوم الآخر هو الضابط لسلوك المسلم في حياته الدنيا، حيث يسعى لتقديم الأعمال الصالحة والبعد عن كل سيئ.. وما ذلك إلا لأن الإيمان قد استقر في نفسه أنه محاسب على ما قدم، وأنه مجزي به.
والآية الكريمة التي نحن بصدد الحديث عنها تضيف إلى ذلك معنى آخر باعتبارها آخر آية نزلت من القرآن الكريم.
فقد نقل الإمام ابن كثير في تفسيره عن ابن عباس وغيره: أن آخر ما نزل من القرآن الكريم كله
{وَٱتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِ}
وفي بعض الروايات أن نزولها كان قبل تسع ليال من وفاة النبي صلى الله عليه وسلم.
إن آية كريمة يختم الله تعالى بها نزول كتابه لا بد أن تكون لها دلالة خاصة، فهي بمثابة الوصية الأخيرة، ودائماً تكون للوصية الأخيرة دلالتها، إنها التأكيد على أن اليوم الآخر ينبغي أن لا يغيب عن ذهن المسلم في لحظة من حياته.
والرسالة التي تحملها: أنه ينبغي على كل مسلم أن يجعل من هذه الآية، اللازمة التي يكررها كل يوم في حياته، يذكر نفسه بها، حتى تظل على الطريق المستقيم الذي أمر الله به عباده.
ورسالة أخرى يوحي بها مكان هذه الآية في سياق الآيات التي قبلها والتي بعدها.
فقد سبقتها آيات تحريم الربا التي بدأت بقوله تعالى:
{ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ ٱلرِّبَوٰا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ ٱلَّذِى يَتَخَبَّطُهُ ٱلشَّيْطَٰنُ مِنَ ٱلْمَسِّ} [البقرة: 275].
وجاءت بعدها آية الدين وهي أطول آية في القرآن الكريم.
وإذن فما قبلها وما بعدها ذو موضوع واحد، هو التعامل المادي بين الناس المتمثل في التجارة وما ينضوي تحتها من فروع.
وعلى هذا فالآية الكريمة تعني في جملة ما تعنيه التحذير من أكل أموال الناس بالباطل كأخذ الربا وما أشبهه، وتعني ضبط العلاقات المادية بين الناس بالكتابة حتى لا يضيع حق من الحقوق، لأنها محل للحساب يوم القيامة.
فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
(أتَدْرُونَ مَنْ الْمُفْلِسُ)؟ قَالُوا: (إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصِيَامٍ وَصَلَاةٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَشَفَكَ دم هّذَا. فَيُعطى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ) رواه مسلم.
فالرسالة الثانية: التي تحملها الآية الكريمة: هي الحرص على أداء الحقوق إلى أصحابها، وهذا عمل مستمر بين الناس، ووضع الضوابط له أمر مفيد. يقلل الاختلاف والنزاعات التي تنشأ بين الناس.