تصنيف الناس
قال الله تعالى:
{الٓمٓ ذَٰلِكَ ٱلْكِتَٰبُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَمِمَّا رَزَقْنَٰهُمْ يُنفِقُونَ وَٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِٱلْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ أُولَٰٓئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ ۖ وَأُولَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ} [البقرة: 1- 5].
{إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ ءَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ خَتَمَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ ۖ وَعَلَىٰٓ أَبْصَٰرِهِمْ غِشَٰوَةٌ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [البقرة: 6 - 7].
{وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلْيَوْمِ ٱلْءَاخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ يُخَٰدِعُونَ ٱللَّهَ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّآ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ ٱللَّهُ مَرَضًا ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌۢ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِى ٱلْأَرْضِ قَالُوٓا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلَآ إِنَّهُمْ هُمُ ٱلْمُفْسِدُونَ وَلَٰكِن لَّا يَشْعُرُونَ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ ءَامِنُوا كَمَآ ءَامَنَ ٱلنَّاسُ قَالُوٓا أَنُؤْمِنُ كَمَآ ءَامَنَ ٱلسُّفَهَآءُ ۗ أَلَآ إِنَّهُمْ هُمُ ٱلسُّفَهَآءُ وَلَٰكِن لَّا يَعْلَمُونَ وَإِذَا لَقُوا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا قَالُوٓا ءَامَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَىٰ شَيَٰطِينِهِمْ قَالُوٓا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِءُونَ ٱللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِى طُغْيَٰنِهِمْ يَعْمَهُونَ أُولَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشْتَرَوُا ٱلضَّلَٰلَةَ بِٱلْهُدَىٰ فَمَا رَبِحَت تِّجَٰرَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ} [البقرة: 8 - 16].
في هذه الآيات الكريمة رسائل.
* الأولى: وفيها تصنيف الناس.
فقد صنفت هذه الآيات الكريمة الناس في مجتمع المدينة، بل وفى العالم كله إلى ثلاث فئات.
- الأولى: جماعة المؤمنين الذين هم أتباع الكتاب الذي لا ريب فيه والذي فيه هدى للمتقين، وهؤلاء هم الذين على هدى من ربهم وهم المفلحون.
- الثانية: جماعة الكافرين، الكفر عنوان لجماعات متعددة المذاهب. فمنهم: الكافر الذي لا يؤمن بإله، ومنهم المشرك الذي جعل مع الله آلهة أخرى، ومنهم أهل الكتاب الذي حرفوا أديانهم وبدلوا وغيروا، وقد جعلهم الله في عداد الكافرين فقال:
{لَمْ يَكُنِ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَٰبِ وَٱلْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ ٱلْبَيِّنَةُ} [البينة: 1].
فجماعة الكافرين هي على النقيض من الجماعة الأولى - جماعة المؤمنين - فماذا بعد الحق إلا الضلال.
- الثالثة: جماعة المنافقين، وهذه الجماعة في ظاهرها تتجمل بصفات جماعة المؤمنين وفي باطنها هي من الثانية جماعة الكافرين.
ولما كان لهذه الجماعة من خطر على جماعة المؤمنين أطالت الآيات في وصفها حتى اتضحت معالمها فلا يغتربها المؤمنون.
فهم يقولون آمنا، وما هم بمؤمنين، وإذا لقوا المؤمنين قالوا أمنا، وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون.
فهؤلاء في حقيقتهم كافرون، وإن كانوا من أجل ظاهرهم يعاملون معاملة المسلمين.
إن غاية الرسالة الأولى هي هذا المسح الشامل لأصناف الناس، حتى تعرف الدولة المسلمة كيف تدير شؤونها، وحتى يعرف الأفراد المسلمون الواقع الذي يعيشون فيه فيحسنون التعامل وأخذ الحيطة والحذر.
* الرسالة الثانية: وفيها بيان الأساس الذي قام عليه هذا التصنيف.
واضح مما سبق أن هذا التصنيف للناس لم يقم على أساس جغرافي، بحيث يُتبع الناس وفقاً لأماكن سكنهم وإقامتهم، كما لم يقم على العرق واللون، وإنما قام على الدين والمعتقد، فهوية المسلم عقيدته في أي مكان كان، وأيا كان لونه وعرقه، وعلى هذا فالمؤمنون إخوة أينما كانوا وأياً كانوا، بعضهم لبعض نصحة..
وعلى هذا نشأت الجماعة المسلمة، وعلى هذا ينبغي أن تستمر.
* الرسالة الثالثة: وهي موجهة إلى الناس جميعاً.
فإن هذه الآيات الكريمة بعد أن بينت أصناف الناس، دعت الناس جميعاً إلى أن يكونوا من الفئة الأولى، ونادتهم كافة أن يفيئوا إلى عبادة الله الواحد فقال تعالى:
{يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعْبُدُوا رَبَّكُمُ ٱلَّذِى خَلَقَكُمْ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 21].
* الرسالة الرابعة: وهي موجهة إلى الفئة الأولى المؤمنة، خلاصتها أن حمل اسم الإيمان أو الإسلام له متطلبات لا بد من العمل على تحقيقها، وهي نوعان:
- عمل قلبي: يتمثل بالإيمان بالغيب والإيمان بالقرآن والكتب المنزلة الأخرى السابقة، والإيمان باليوم الآخر..
- وعمل جسمي: ومنه إقامة الصلاة، والإنفاق من المال..
فمن توفرت عنده أركان الإيمان، وأركان الإسلام فأولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون.
وهذا ما أكدت عليه الآيات المتكررة من قوله تعالى:
{إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَأَقَامُوا ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُا ٱلزَّكَوٰةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 277].