الحديث الرابع والعشرون حديث الصلاة على النبي
- قال الترمذي رحمه الله: حَدَّثَنَا هَنَّادٌ حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، عَنْ الطُّفَيْلِ بْنِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ذَهَبَ ثُلُثَا اللَّيْلِ قَامَ فَقَالَ
"يَا أَيُّهَا النَّاسُ، اذْكُرُوا اللَّهَ، اذْكُرُوا اللَّهَ، جَاءَتْ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ" قَالَ أُبَيٌّ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلَاةَ عَلَيْكَ فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلَاتِي؟ فَقَالَ: "مَا شِئْتَ" قَالَ: قُلْتُ: الرُّبُعَ؟ قَالَ: "مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ" قُلْتُ: النِّصْفَ؟ قَالَ: "مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ" قَالَ: قُلْتُ: فَالثُّلُثَيْنِ؟ قَالَ: "مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ". قُلْتُ: أَجْعَلُ لَكَ صَلَاتِي كُلَّهَا؟ قَالَ: "إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ".
الحكم على الحديث
سنن الترمذي (2457). وقال الألباني رحمه الله: حسن صحيح. الصحيحة (954)، فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم (14)\أهمية الح
أهمية الحديث
1- أهمية الصلاة على النبي صلى الله عليه وكثرتها والمداومة عليها
2- للنجاة سبل متفرقة وسبل جامعة، فبالعلم نتحرى السبل الجامعة
3- لمعرفة سبل كفاية الهم فيستريح القلب من عنائه
غريب الحديث
1- "الراجقة": النفخة الأولى التي يموت لها الخلائق
2- "الرادفة": النفخة الثانية التي يحيون لها يوم القيامة (1)
3- تكفي همك: من يجعل دعاءه صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم يكفيه الله ما أهمه من أمر دينه ودنياه
فوائد الحديث
1- كثرة ذكر الله سبيل النجاة؛ "اذكروا الله". "جاءت الرادفة". "جاء الموت"
2- كثرة الدعاء سبيل النجاة
3- كثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم سبيل النجاة
4- كثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من سمات أهل السنة والجماعة؛ لأن من سماتهم اتباع هديه والتمسك بسنته، لذلك كثيراً ما يرددون أقواله وأفعاله وأحواله وهديه، فيكثرون من ذكره، وبالتالي يكثرون من الصلاة عليه كلما ذكر صلى الله عليه وسلم
5- إذا قلنا: اللهم صل على محمد. فإنما نريد به: اللهم عظم محمداً في الدنيا بإعلاء ذكره، وإظهار دعوته، وإبقاء شريعته، وفي الآخرة بتشفيعه في أمته، وإجزال أجره ومثوبته، وإبداء فضله للأولين والآخرين بالمقام المحمود، وتقديمه على كافة المقربين في اليوم المشهود
______________________
(1)النهاية 2/ 203
ولما أمر الله سبحانه بالصلاة عليه ولم نبلغ قدر الواجب من ذلك، ولم نملك إيصال ما يعظم به أمره، ويعلو به قدره إليه، ولم نبلغ كنه فضيلة ولا حقيقة مراد الله تعالى فيه أحلناه على الله وقلنا: اللهم صل أنت على محمد؛ لأنك أعلم بما يليق به (1)
6- من الجوانب المهمة والخطيرة في علم المعاملة مع الله تعالى الجانب العاطفي، وهو جانب مفقود أحياناً عند من يتحرون الدليل وصحته والاتباع ودقته وما إلى ذلك، فأفقدهم ذلك العاطفة، وتعاملوا مع القرآن وأقوال الرسول صلى الله عليه وسلم على أنها نصوص جامدة، فصار ترديد: الحب هو الاتباع. الحب هو الاتباع. حتى فاتهم الحب الحقيقي
ونحن لا ننكر شرط الاتباع، ولكن نقول: إن للعاطفة أيضاً شأناً، أي شأن! له ولكتابة ولرسوله صلى الله عليه وسلم، ومن المؤسف أن تجد أهل البدع من الصوفية والشيعة أو غيرهم أرق قلوباً كما يبدون في الظاهر ويظهرون حبهم للنبي صلى الله عليه وسلم وآل بيته أكثر من غيرهم، ونحن نقول: {إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِى ٱلْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} [الانفال: 73]
لذلك، فالرباني مفعم بحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، يظهر ذلك على جوارحه، فيخضع لذلك قلبه وأركانه، وتدمع عيناه شوقاً لرؤية وجه الله الكريم، ويضطرب قلبه وتدمع عيناه شوقاً للقاء النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
" مِنْ أَشَدِّ أُمَّتِي لِي حُبًّا نَاسٌ يَكُونُونَ بَعْدِي يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ رَآنِي بِأَهْلِهِ وَمَالِهِ"
______________________
1)شعب الإيمان 3/ 143، النهاية 3/ 50
(2)أخرجه مسلم (2832).
فالنصيحة أن نظهر حب العاطفة القلبية ونعلنها مع شدة التمسك باتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم والتمسك بسنته دون غلو أو جفاء، ولا إفراط ولا تفريط
7- الرباني له حال مع قصص الرسول صلى الله عليه وسلم ومع أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم ومع حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، ففي هذا الحديث
- تجد أن الحديث يبدأ بتحذير الرسول صلى الله عليه وسلم من الموت والقيامة
- ثم يأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالذكر وكثرة الذكر
- ثم يدخل الصحابي في السياق ويسأل عن الدعاء وكثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
فالفهم السليم الواسع الشامل لهذا الحديث يجمع كل ذلك طالما أتى في سياق واحد
- الحذر من الموت وما فيه، ثم ما يتبعه من أهوال القيامة؛ الراجفة والرادفة
- النجاة من كل ذلك إنما بذكر الله وكثرته والمداومة عليه
- أما الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم هي التي تسع ذكر الله ويرضى بها الله، ويعطي العبد مراده بها ويكفيه ويزيده
- لذلك فإن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وكثرتها والمداومة عليها تطمئن القلب، وتقر العين، ويسعد العبد بها في دنياه وأخراه
8- الربانيون العارفون بسنته، العالمون بما جاء به؛ كلما ازدادوا فيما جاء به معرفة ازدادوا له محبة ومعرفة بحقيقة الصلاة المطلوبة له من الله تعالى
9- الرباني لا يكتفي بمجرد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم حال سماع اسمع أو ورود ذكره، وإنما له وقت يومي دائم يركز فيه ويستكثر فيه من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
ومن بركات الصلاة عليه
1- امتثال لأمر الله سبحانه وتعالى
2- سبب لصلاة الله على المصلي عشر صلوات من الله على المصلي مرة، وسبب لصلاة الملائكة عليه
3- سبب لشفاعته صلى الله عليه وسلم إذا قرنها بسؤال الوسيلة له
4- سبب لقرب العبد منه صلى الله عليه وسلم يوم القيامة
5- سبب للنجاة من أهوال يوم القيامة
6- سبب لرد النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة والسلام على المصلي والمسلم عليه
7- سبب لطيب المجلس وأن لا يعود حسرة يوم القيامة
8- سبب لغفران الذنوب وكفاية الله العبد ما أهمه - كما في حديث الباب
9- سبب لإبقاء الله سبحانه الثناء الحسن للمصلي عليه بين أهل السماء والأرض؛ لأن المصلي طالب من الله أن يثني على رسوله ويكرمه ويشرفه، والجزاء من جنس العمل
10- سبب للبركة في ذات المصلي وعمله وعمره وأسباب مصالحه؛ لأن المصلي عليه يدعو بالبركة لمحمد وآله، والجزاء من جنس العمل
11- سبب لتمام الكلام الذي ابتدئ بحمد الله والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم
12- سبب لوفور نور العبد على الصراط
13- سبب لنيل رحمة الله، فلا بد للمصلي عليه من رحمة تناله
14- سبب لدوام محبته للرسول صلى الله عليه وسلم وزيادتها وتضاعفها؛ لأن العبد كلما أكثر من ذكر المحبوب واستحضاره في قلبه واستحضار محاسنه ومعانيه الجالبة لحبه تضاعف حبه وتزايد شوقه إليه
15- سبب لهداية العبد وحياة قلبه؛ لأنه كلما أكثر الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم استولت محبته على قلبه حتى لا يبقى في قلبه معارضة لشيء من أوامره
16- سبب لتثبيت القدم على الصراط والجواز عليه
17- سبب لعرض اسم المصلي عليه صلى الله عليه وسلم وذكره عنده
وغير ذلك كثير
18- الصلاة علينا صلى الله عليه وسلم أداء لأقل القليل من حقه، وشكر له على نعمته التي أنعم الله بها عليهم، مع أن الذي يستحقه من ذلك لا يحصى علماً ولا قدرة ولا إرادة، ولكن الله سبحانه لكرمه رضي من عباده باليسير من شكره وأداء حقه، على أن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم باب عظيم من أبواب تنفيس الهموم، وتفريج الكروب، وتكفير الذنوب - كما في حديث الباب.
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين