الشبَهات حول اسم الله (الباطن)


فريق عمل الموقع

الشبهة الأولى: 

الله تعالى هو الباطن ومن معنى هذا الاسم أنه القريب، قال تعالى:

{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: 186]

ألا يتنافى ذلك مع وجوده على عرشه سبحانه؟

الرد عليها:

قربه يعني القرب بعلمه وقدرته وهو فوق عرشه.

ففي حديث مرفوع أخرجه الإمام أحمد وعبد بن حميد والترمذي وابن المنذر وجماعة عن أبي هريرة «والذي نفسي بيده لو أنكم دليتم بحبل إلى الأرض السفلى لهبط على الله» قال أبو هريرة، ثم قرأ النبي صلّى الله عليه وسلم {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}.

وقد قال فيه الترمذي: فسر أهل العلم الحديث فقالوا: أي لهبط على علم الله تعالى وقدرته وسلطانه. [تفسير الآلوسي 14/168].

الشبهة الثانية:

إذا كان تفسير الظاهر بمعنى الفوقية فهل يكون معنى الباطن أنه تحتنا أيضاً باعتبار المقابلة؟

الرد عليها:

لا يسوغ وصف الله بأنه تحتنا مقابلة للباطن بالظاهر، لأن السفول نقص، والله تعالى وصف بالعلو دون السفول.

فقد قال ابن القيم في الصواعق المرسلة: قد ثبت بصريح العقل أن الأمرين المتقابلين إذا كان أحدهما صفة كمال والآخر صفة نقص فإن الله سبحانه يوصف بالكمال منهما دون النقص، ولهذا لما تقابل الموت والحياة وصف بالحياة دون الموت، ولما تقابل العلم والجهل وصف بالعلم دون الجهل، وكذلك العجز والقدرة والكلام والخرس والبصر والعمى والسمع والصمم، والغنى والفقر. ولما تقابلت المباينة للعالم والمداخلة له وصف بالمباينة دون المداخلة، وإذا كانت المباينة تستلزم علوه على العالم أو سفوله عنه وتقابل العلو والسفول وصف بالعلو دون السفول، وإذا كان مباينا للعالم كان من لوازم مباينته أن يكون فوق العالم، ولما كان العلو صفة كمال كان ذلك من لوازم ذاته فلا يكون مع وجود العالم إلا عاليا عليه ضرورة، ولا يكون سبحانه إلا فوق المخلوقات كلها. [الصواعق المرسلة لابن القيم 4/ 1307].

الشبهة الثالثة:

أليس من التناقض أن يكون الظاهر هو الباطن؟ 

الرد عليها: 

نقل عن أبي سعيد الخراز أنه قيل بماذا عرفت ربك؟

قال بجمعه بين الأضداد وقرأ قوله: {هُوَ الأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}.

أراد بذلك أنه مجتمع في حقه سبحانه ما يتضاد في حق غيره فإن المخلوق لا يكون أولا آخرا باطنا ظاهرا. [الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية ت728هـ 5/78].

قال حجة الإسلام الغزالي: هذان الوصفان من المضافات فإن الظاهر يكون ظاهرا لشيء وباطنا لشيء ولا يكون من وجه واحد ظاهرا وباطنا بل يكون ظاهرا من وجه بالإضافة إلى إدراك وباطنا من وجه آخر فإن الظهور والبطون إنما يكون بالإضافة إلى الإدراكات والله سبحانه وتعالى باطن إن طلب من إدراك الحواس وخزانة الخيال ظاهر إن طلب من خزانة العقل بطريق الاستدلال فإن قلت أما كونه باطنا بالإضافة إلى إدراك الحواس فظاهر وأما كونه ظاهرا للعقل فغامض إذ الظاهر ما لا يتمارى فيه ولا يختلف الناس في إدراكه وهذا مما قد وقع فيه الريب الكثير للخلق فكيف يكون ظاهرا فاعلم أنه إنما خفي مع ظهوره لشدة ظهوره فظهوره سبب بطونه ونوره هو حجاب نوره وكل ما جاوز حده انعكس على ضده

ولعلك تتعجب من هذا الكلام وتستبعده ولا تفهمه إلا بمثال

فأقول لو نظرت إلى كلمة واحدة كتبها كاتب لاستدللت بها على كون الكاتب عالما قادرا سميعا بصيرا واستفدت منه اليقين بوجود هذه الصفات بل لو رأيت كلمة مكتوبة لحصل لك يقين قاطع بوجود كاتب لها عالم قادر سميع بصير حي ولم يدل عليه إلا صورة كلمة واحدة وكما تشهد هذه الكلمة شهادة قاطعة بصفات الكاتب فما من ذرة في السموات والأرض من فلك وكوكب وشمس وقمر وحيوان ونبات وصفة وموصوف إلا وهي شاهدة على نفسها بالحاجة إلى مدبر دبرها وقدرها وخصصها بخصوص صفاتها بل لا ينظر الإنسان إلى عضو من أعضاء نفسه وجزء من أجزائه ظاهرا وباطنا بل إلى صفة من صفاته وحالة من حالاته التي تجري عليه قهرا بغير اختياره إلا ويراها ناطقة بالشهادة لخالقها وقاهرها ومدبرها وكذلك كل ما يدركه بجميع حواسه في ذاته وخارجا من ذاته

ولو كانت الأشياء مختلفة في الشهادة يشهد بعضها ولا يشهد بعضها لكان اليقين حاصلا للجميع ولكن لما كثرت الشهادات حتى اتفقت خفيت وغمضت لشدة الظهور ومثاله أن أظهر الأشياء ما يدرك بالحواس وأظهرها ما يدرك بحاسة البصر وأظهر ما يدرك بحاسة البصر نور الشمس المشرق على الأجسام الذي به يظهر كل شيء فما به يظهر كل شيء كيف لا يكون ظاهرا

وقد أشكل ذلك على خلق كثير حتى قالوا الأشياء الملونة ليس فيها إلا ألوانها فقط من سواد وحمرة فأما أن يكون فيها مع اللون ضوء ونور مقارن للون فلا وهؤلاء إنما نبهوا على قيام النور بالمتلونات بالتفرقة التي يدركونها بين الظل وموضع النور وبين الليل والنهار فإن الشمس لما تصور غيبتها بالليل واحتجابها بالأجسام المظلمة بالنهار انقطع أثرها عن المتلونات فأدركت التفرقة بين المتأثر المستضيء بها وبين المظلم المحجوب عنها فعرف وجود النور بعدم النور إذا أضيف حالة العدم إلى حالة الوجود فأدركت التفرقة مع بقاء الألوان في الحالتين ولو أطبق نور الشمس كل الأجسام الظاهرة لشخص ولم تغب الشمس حتى يدرك التفرقة لتعذر عليه معرفة كون النور شيئا موجودا زائدا على الألوان مع أنه أظهر الأشياء بل هو الذي به يظهر جميع الأشياء

ولو تصور لله تعالى وتقدس عدم أو غيبة عن بعض الأمور لانهدت السموات والأرض وكل ما انقطع نوره عنه ولأدركت التفرقة بين الحالتين وعلم وجوده قطعا ولكن لما كانت الأشياء كلها متفقة في الشهادة والأحوال كلها مطردة على نسق واحد كان ذلك سببا لخفائه فسبحان من احتجب عن الخلق بنوره وخفي عليهم بشدة ظهوره فهو الظاهر الذي لا أظهر منه وهو الباطن الذي لا أبطن منه تنبيه

لا تتعجبن من هذا في صفات الله تعالى وتقدس فإن المعنى الذي به الإنسان إنسان ظاهر باطن فإنه ظاهر إن استدل عليه بأفعاله المرتبة المحكمة باطن إن طلب من إدراك الحس فإن الحس إنما يتعلق بظاهر بشرته وليس الإنسان إنسانا بالبشرة المرئية منه بل لو تبدلت تلك البشرة بل سائر أجزائه فهو هو والأجزاء متبدلة ولعل أجزاء كل إنسان بعد كبره غير الأجزاء التي كانت فيه عند صغره فإنها تحللت بطول الزمان وتبدلت بأمثالها بطريق الاغتذاء وهويته لم تتبدل فتلك الهوية باطنة عن الحواس ظاهرة للعقل بطريق الاستدلال عليها بآثارها وأفعالها.

[المقصد الأسنى لأبي حامد الغزالي 1/136 - 138].

الشبهة الرابعة:

هل تكرار اسم الله الباطن يوميًا تكشف به الأسرار؟

الرد عليها:

ترداد اسم الله " الباطن " ثلاث مرات يوميّاً : يُكشف به الأسرار : قول باطل ، لا قيمة له ، فليس له أصل في الشرع ، ولا هو ثابت في الواقع ، ولا يحل لأحدٍ استعمال أسمائه تعالى الجليلة للعبث ، ولا علاقة لما ورد في السؤال ، ولما يزعمه المشعوذون والدجالون من خواص معينة لأسماء الله تعالى ، سوى ما ورد به الشرع ، من إحصائها ، والتعبد لله بمقتضاها .

وقد رأينا من ذكر غير عدد الثلاث مرات ، فقال بعضهم : " مَن أراد أن يطلع على علم الضمائر - أي : أن يدرك ما يضمره الآخرون - : فليقل " يا باطن " 62 مرة يوميّاً ! لمدة أربعين يوماً ، ومَن قال : " يا أول يا آخر ، يا ظاهر يا باطن " 99 مرة كل يوم : نال ذلك أيضاً ، ولذلك تأثير عجيب " ! .

وكل ذلك لا أصل له ، ولا ضابط للعدد في تلك النقولات ، فكلها اختراعات من أصحابها ، ولا ثمة من يطالبهم - من المريدين - بالدليل على صواب ما يقوله أحدهم ، وبطلان ما يزعمه غيره .

وتتبارى الفرق الباطنية فيما بينها للوصول إلى إضلال الناس ، وتعليقهم بعلم المكاشفات ، وتخترع كل طائفة منها سبيلاً ليسلكه المريد عندهم ليكون من " أهل الكشف " ، فبعض تلك الطوائف تجعل تكرار اسم الله " المهيمن " ألفاً وأربعين مرَّة هو السبيل للاطلاع على بواطن الخلق ! ومنهم يجعل تكرار اسم الله " الحكيم " حتى يغيب عن الوعي هو الطريق لذلك ! وكل ذلك من الضلال ، والانحراف عن اعتقاد سلف هذه الأمة ، ومن تلبيس الشيطان على تلك الطوائف الضالة ، وقد جمعوا ذلك تحت عناوين مثل : " أسرار أسماء الله الحسنى " ! و " فوائد أسماء الله الحسنى " ! .

الشبهة الخامسة:

ورد حديث عن علي بن أبي طالب: 

علمُ الباطنِ سرٌّ من أسرارِ اللهِ عزَّ وجلَّ، وحُكْمٌ من أحكامِ اللهِ، يقذفُهُ في قلوبِ من يشاءُ من عبادِهِ.

الرد عليها:

هو موضوع لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعامة رواته لا يعرفون، [العلل المتناهية لابن الجوزي ١‏/٨٣، السلسلة الضعيفة للألباني 1227].

السابق التالى

مقالات مرتبطة بـ الشبَهات حول اسم الله (الباطن)

  • معنى اسم الله الباطن

    موقع/ الشيخ عبد الرحمن بن ناصر البريك

    "الباطن" هو الذي ليس دونه شيء، فبصره نافذ لجميع المخلوقات، وسمعه واسع لجميع الأصوات، وعلمه محيط بكل شيء لا يحجب

    25/05/2021 1028
  • التعريف باسم الله (الباطن)

    فريق عمل الموقع

    (الباطن): وهو في حق الله تعالى يدل على اطلاعه على السرائر، والضمائر، والخبايا، والخفايا، ودقائق الأشياء، كما يدل

    24/05/2021 1416
  • آيات قرآنية ورد فيها اسم الله (الباطن)

    فريق عمل الموقع

    وذكر اسم الله (الباطن) في القرآن الكريم في موضع واحد: 1- {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ

    24/05/2021 1534
معرفة الله | علم وعَملIt's a beautiful day