أقوال السلف في اسم الله (العليم)
أولًا: أقوال بعض الصحابة والتابعين في فضل العلم كتطبيق عملي لاسم الله العليم:
1- قال لقمان لابنه: يا بني لا تعلم العلم لتباهي به العلماء أو لتماري به السفهاء، أو ترائي به في المجالس، ولا تترك العلم زهدا فيه ورغبة في الجهالة، يا بني، اختر المجالس على عينك، وإذا رأيت قوما يذكرون الله فاجلس معهم، فإنك إن تكن عالما ينفعك علمك، وإن تكن جاهلا يعلموك، ولعل الله أن يطلع عليهم برحمة فيصيبك بها معهم، وإذا رأيت قوما لا يذكرون الله فلا تجلس معهم، فإنك إن تكن عالما لا ينفعك علمك، وإن تكن جاهلا زادوك غيا أو عيا، ولعل الله يطلع عليهم بعذاب فيصيبك معهم.
2- قال عمر بن الخطاب- رضي الله عنه -: تعلموا العلم، وعلموه الناس وتعلموا له الوقار والسكينة وتواضعوا لمن تعلمتم منه ولمن علمتموه، ولا تكونوا جبابرة العلماء فلا يقوم جهلكم بعلمكم.
3- قال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه- لرجل من أصحابه: يا كميل: العلم خير من المال، العلم يحرسك وأنت تحرس المال، والعلم حاكم والمال محكوم عليه، والمال تنقصه النفقة، والعلم يزكو بالإنفاق.
وقال- رضي الله عنه-: لا يؤخذ على الجاهل عهد بطلب العلم حتى أخذ على العلماء عهد ببذل العلم للجهال، لأن العلم كان قبل الجهل به.
وقال أيضا- رضي الله عنه-: العالم أفضل من الصائم القائم المجاهد، وإذا مات العالم ثلم من الإسلام ثلمة لا يسدها إلا خلف منه.
4- قال أبو هريرة- رضي الله عنه- قال: ما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحد أكثر حديثا عنه مني، إلا ما كان من عبد الله بن عمرو، فإنه كان يكتب ولا أكتب.
5- قال سلمان- رضي الله عنه-: علم لا يقال به، ككنز لا ينفق منه.
6- قال عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه-: أغد عالما أو متعلما، ولا تغد بين ذلك.
وقال أيضا- رضي الله عنه-: يا أيها الناس تعلموا، فمن علم فليعمل.
وقال أيضا- رضي الله عنه-: إن من العلم أن يقول الذي لا يعلم: الله أعلم.
وقال- رضي الله عنه-: إن أحدا لا يولد عالما، والعلم بالتعلم.
وقال أيضا: إني لأحسب الرجل ينسى العلم كان يعلمه بالخطيئة يعملها.
وقال- رضي الله عنه-: لا يزال الناس بخير ما أتاهم العلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أكابرهم، فإذا جاء العلم من قبل أصاغرهم فذلك حين هلكوا.
7- قال معاذ بن جبل- رضي الله عنه-: تعلموا العلم فإن تعلمه لله خشية، وطلبه عبادة، ومدارسته تسبيح. والبحث عنه جهاد، وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة، وبذله لأهله قربة. لأنه معالم الحلال والحرام، والأنيس في الوحشة، والصاحب في الخلوة، والدليل على السراء والضراء. والزين عند الأخلاق، والقرب عند الغرباء. يرفع الله به أقواما فيجعلهم في الخلق قادة يقتدى بهم، وأئمة في الخلق تقتفى آثارهم.
وينتهى إلى رأيهم. وترغب الملائكة في حبهم بأجنحتها تمسحهم. حتى كل رطب ويابس لهم مستغفر. حتى حيتان البحر وهوامه. وسباع البر وأنعامه. والسماء ونجومها. لأن العلم حياة القلوب من العمى، ونور الأبصار من الظلم. وقوة الأبدان من الضعف، يبلغ به العبد منازل الأحرار، ومجالسة الملوك، والدرجات العلى في الدنيا والآخرة، والفكر به يعدل بالصيام، ومدارسته بالقيام، به يطاع الله- عز وجل- وبه يعبد الله- عز وجل- وبه توصل الأرحام وبه يعرف الحلال من الحرام، إمام العمل والعمل تابعه، يلهمه السعداء، ويحرمه الأشقياء.
وقال معاذ بن جبل- رضي الله عنه- لما حضرته الوفاة: «إن العلم والإيمان مكانهما، من التمسهما وجدهما. قال ذلك ثلاث مرات، والتمسوا العلم عند أربعة رهط: عند عويمر أبي الدرداء، وعند سلمان الفارسي، وعند عبد الله بن مسعود، وعند عبد الله بن سلام. فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنه عاشر عشرة في الجنة.
8- قال ابن عباس- رضي الله عنهما: معنى قوله تعالى: {وأعلم ما تبدون} وأعلم - مع علمي غيب السماوات والأرض - ما تظهرونه بألسنتكم وما كنتم تخفون في أنفسكم، فلا يخفى علي شيء، سواء عندي سرائركم، وعلانيتكم. [تفسير ابن كثير، 1/227].
وقال: العليم الذي قد كمل في علمه. [الدر المنثور، عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (المتوفى: 911هـ)، 1/122].
وقال: أتدرون ما ذهاب العلم من الأرض؟ قال: قلنا: لا، قال: أن يذهب العلماء.
9- قال عبد الله بن الشخير- رضي الله عنه-: فضل العلم أحب إلي من فضل العبادة، وخير دينكم الورع.
10- قال أبو الدرداء- رضي الله عنه-: إنما أخشى من ربي يوم القيامة أن يدعوني على رؤوس الخلائق فيقول لي: يا عويمر، فأقول: لبيك ربي، فيقول لي: ما عملت فيما علمت؟.
وقال- رضي الله عنه-: العلم بالتعلم، والحلم بالتحلم، ومن يتحر الخير يعطه، ومن يتوق الشر يوقه.
وقال أيضا: العالم والمتعلم في الأجر سواء، وسائر الناس همج لا خير فيهم.
11- قال أبو الدرداء- رضي الله عنه-: مثل العلماء في الناس كمثل النجوم في السماء يهتدى بها.
12- قال الحسن البصري- رحمه الله تعالى-: لقد طلب أقوام العلم ما أرادوا به الله ولا ما عنده. قال: فما زال بهم العلم حتى أرادوا به الله وما عنده.
وعنه- رحمه الله تعالى- قال: قد كان الرجل يطلب العلم فلا يلبث أن يرى ذلك في تخشعه، وهديه، ولسانه، وبصره، ويديه.
وقال: أفضل العلم الورع والتفكر.
وقال: «الفقيه: العالم في دينه، الزاهد في دنياه، الدائم على عبادة ربه.
وقال أيضا: العامل على غير علم كالسالك على غير طريق، والعامل على غير علم يفسد أكثر مما يصلح، فاطلبوا العلم طلبا لا تضروا بالعبادة، واطلبوا العبادة طلبا لا تضروا بالعلم، فإن قوما طلبوا العبادة وتركوا العلم حتى خرجوا بأسيافهم على أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ولو طلبوا العلم لم يدلهم على ما فعلوا.
13- قال مجاهد بن جبر- رحمه الله تعالى-: لا يتعلم العلم مستح ولا مستكبر.
14- قال عطاء بن يسار- رحمه الله تعالى-: ما أوتي شيء إلى شيء أزين من حلم إلى علم.
15- قال مسروق. رحمه الله تعالى: بحسب الرجل من العلم أن يخشى الله- عز وجل- وبحسب الرجل من الجهل أن يعجب بعلمه.
16- قال عبد الله بن عون- رحمه الله تعالى-: ثلاث أحبهن لنفسي ولإخواني: هذه السنة أن يتعلموها ويسألوا عنها، والقرآن أن يتفهموه ويسألوا الناس عنه، ويدعوا الناس إلا من خير.
17- كان عمر بن عبد العزيز- رحمه الله- كثيرا ما يتمثل بهذه الأبيات:
يرى مستكينا وهو للهو ماقت ... به عن حديث القوم ما هو شاغله
وأزعجه علم عن الجهل كله ... وما عالم شيئا كمن هو جاهله
18- قال قتادة -رحمه الله-: أشياء استأثر الله بهن، فلم يُطلع عليهن مَلَكا مقربًا، ولا نبيًّا مرسلاً: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} فلا يدري أحد من الناس متى تقوم الساعة، في أي سنة أو في أي شهر، أو ليل أو نهار؟ {وَيُنزلُ الْغَيْثَ} فلا يعلم أحد متى ينزل الغيث، ليلاً أو نهارًا. {وَيَعْلَمُ مَا فِي الأرْحَامِ} فلا يعلم أحد ما في الأرحام، أذكر أم أنثى، أحمر أو أسود، وما هو؟ {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا} أخير أم شر، ولا تدري يا ابن آدم متى تموت؟ لعلك الميت غدًا، لعلك المصاب غدًا. {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} ليس أحد من الناس يدري أين مضجعه من الأرض، أفي بحر أم بر، أو سهل أو جبل؟" [تفسير ابن كثير 6/355].
[نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم، عدد من المختصين بإشراف الشيخ/ صالح بن عبد الله بن حميد إمام وخطيب الحرم المكي، 5/ 2975 – 2978].
ثانيًا: أقوال بعض المفسرين في تفسير اسم الله (العليم):
1- قال الطبري: {العليم}: قال أبو جعفر: وتأويل ذلك: أنك أنت يَا ربنا العليمُ من غير تعليم بجميع ما قد كان وما وهو كائن، والعالم للغيوب دون جميع خلقك. [تفسير الطبري، جامع البيان في تأويل القرآن، محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري (المتوفى: 310هـ)، 1/495].
2- قال السمرقندي: {العليم}: يعني أنت العليم بما يكون في السموات والأرض. [بحر العلوم، أبو الليث نصر بن محمد بن أحمد بن إبراهيم السمرقندي (المتوفى: 373هـ)، 1/42].
3- قال الماوردي: {العليم}: العليم: هو العالم من غير تعليم. [تفسير الماوردي - النكت والعيون، أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن حبيب البصري البغدادي، المعروف بالماوردي (المتوفى: 450هـ)، 1/100].
4- قال فخر الدين الرازي: {العليم}: من صفات المبالغة التامة في العلم، والمبالغة التامة لا تتحقق إلا عند الإحاطة بكل المعلومات، وما ذاك إلا هو سبحانه وتعالى، فلا جرم ليس العليم المطلق إلا هو، فلذلك قال إنك أنت العليم الحكيم على سبيل الحصر. [مفاتيح الغيب - التفسير الكبير، أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي الملقب بفخر الدين الرازي خطيب الري (المتوفى: 606هـ)، 2/425].
5- قال القرطبي: {العليم}: فعيل للمبالغة والتكثير في المعلومات في خلق الله تعالى. [الجامع لأحكام القرآن - تفسير القرطبي، أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي شمس الدين القرطبي (المتوفى: 671هـ)، 1/287].
6- قال البيضاوي: {العليم}: الذي لا يخفى عليه خافية. [أنوار التنزيل وأسرار التأويل، ناصر الدين أبو سعيد عبد الله بن عمر بن محمد الشيرازي البيضاوي (المتوفى: 685هـ)، 1/70].
7- قال الثعالبي: {العليم}: معناه: العَالِمُ، ويزيد عليه معنى من المبالغةِ والتكثيرِ في المعلوماتِ. [الجواهر الحسان في تفسير القرآن، أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي (المتوفى: 875هـ)، 1/211].
8- قال أبو السعود: {العليم}: الذي لا يَخفى عليهِ خافيةٌ. [تفسير أبي السعود - إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم، أبو السعود العمادي محمد بن محمد بن مصطفى (المتوفى: 982هـ)، 1/85].
9- قال الآلوسي: {العليم}: وفي عَلِيمٌ من المبالغة ما ليس في عالم وليس ذلك راجعا إلى نفس الصفة لأن علمه تعالى واحد لا تكثّر فيه لكن لما تعلق بالكلي والجزئي والموجود والمعدوم والمتناهي وغير المتناهي وصف نفسه سبحانه بما دل على المبالغة- والشيء- هنا عام باق على عمومه لا تخصيص فيه بوجه. [تفسير الآلوسي - روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، شهاب الدين محمود بن عبد الله الحسيني الألوسي (المتوفى: 1270هـ)، 1/219].
ثالثًا: أقوال بعض أهل العقيدة في صفة العلم:
1- قال الغزالي: وعلم الله عز وجل لا يشبه علم الخلق البتة فلا يكون معرفة الخلق به معرفة تامة حقيقية بل إيهامية تشبيهية. [المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى، أبو حامد محمد بن محمد الغزالي الطوسي (المتوفى: 505هـ)، ص 56].
2- قال الكلوذاني: فاسمه «العليم» مثلاً يدل على ذات الله، وعلى صفة العلم بالمطابقة، وعلى أحدهما بالتضمن، ويدل على صفة «الحياة» بطريق اللزوم، فإنَّ العلمَ مستلزم للحياة. [شرح القصيدة الدالية، أبو الخطاب محفوظ بن أحمد بن حسن الكلوذاني الحنبلي (510 هـ)، ص 77].
3- قال الآمدي: مذهب أهل الحق أن البارى تعالى عالم بعلم واحد قائم بذاته قديم أزلى متعلق بجميع المتعلقات.
وأما الفلاسفة فمختلفون:
أ- فمنهم من نفى عنه العلم مطلقا ولم يجوز أن يكون له علم متعلق بذاته ولا بغيره.
ب - ومنهم من أوجب له ذلك لكن منع أن يكون متعلقا بغيره بل بذاته.
ج - ومنهم من جوز عليه ذلك لكن بشرط كون المتعلق كليا واما الجزئيات فإن تعلق بها فليس ذلك إلا على نحو كلى لا أنه متعلق بالجزئى من حيث هو جزئى.
وأما المعتزلة فموافقون على العالمية دون العلمية.
وأما الجهمية فقد ذهبوا إلى أنه عالم بعلم قائم لا في محل وهو مع ذلك متجدد بتجدد الحادثات متعدد بتعدد الكائنات. [غاية المرام في علم الكلام، أبو الحسن سيد الدين علي بن أبي علي بن محمد بن سالم الثعلبي الآمدي (المتوفى: 631هـ)، ص 76].
4- قال ابن القيم: صفة العلم واجبة لله قديمة غير حادثة متعلقة بكل معلوم على التفصيل وهذه اللوازم منتفية عن العلم الذي هو صفة للمخلوق. [الصواعق المرسلة في الرد على الجهمية والمعطلة، محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن قيم الجوزية (المتوفى: 751هـ)، 1/1219].
5- قال الهراس: والعلم صفة لله عز وجل، بها يدرك جميع المعلومات على ما هي به، فلا يخفى عليه منها شيء. [شرح العقيدة الواسطية، ويليه ملحق الواسطية، محمد بن خليل حسن هرّاس (المتوفى: 1395هـ)، 1/91].
6- قال البراك، هو تعالى: العليم، والعلم صفته، وعلمه لا يعزب عنه شيء.
قال تعالى
{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَاتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَاتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ} [سورة سبأ: 3]
، وفيها دليل على إحاطة علمه بكل صغير، وكبير؛ بالجزئيات، ودقائق المخلوقات خلافا للملاحدة الذين يقولون: إنه لا يعلم الأشياء إلا بعد وجودها، أو لا يعلم الجزئيات، وإنما يعلم المعاني الكلية.
بل يعلم سبحانه وتعالى ما كان، وما يكون، وما لا يكون لو كان كيف يكون، كما قال تعالى
{وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ} [سورة الأنعام: 28]
والمعطِّلة؛ كالجهمية، والمعتزلة، والفلاسفة ينفون صفة العلم عن الله، وهذا إلحاد في أسماء الله تعالى، وصفاته، وتنقص لرب العالمين، فإذا كان المخلوق يوصف بالعلم؛ فكيف لا يوصف الخالق وهو أحق بكل كمال؟
فعلمه تعالى ثابت بالعقل، وبالسمع أي: النصوص الشرعية. (توضيح مقاصد العقيدة الواسطية (لابن تيمية)، عبد الرحمن بن ناصر البراك، ص 53).