الشبَهات في اسم الله (العفو) والإلحاد في صفة العفو
الشبهة الأولى:
إن المسيح - عليه السلام - أوجب على المظلوم العفو عن الظالم، فشريعة الإنجيل أفضل.
الرد عليها:
يلزم هذا أنه يستحق الوعيد والذم والعقاب إن لم يعف عنه لزم من هذا أن يكون كل من انتصف من الظالم، ظالما مستحقا للذم والعقاب، وهذا ظلم ثان للمظلوم الذي انتصف؛ فإن الظالم ظلمه أولا فلما انتصف منه ظلم ظلما ثانيا، فهو ظلم العادل انتصف من ظالمه.
ولكن في شريعة الإسلام قال الله تعالى:
{وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ . وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ . وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ . إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ . وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [الشورى: 39 - 43]
{ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ} [الحج: 60]
فهذا من أحسن الكلام وأعدله وأفضله حيث شرع العدل ثم ندب إلى الفضل ولما ندب إلى العفو، ذكر أنه لا لوم على المنتصف، لئلا يظن أن العفو فرض ثم بين أن السبيل إنما يكون على الظالمين ثم لما رفع عنهم السبيل ندبهم مع ذلك إلى الصبر والعفو فهذا أحسن شرع وأحكمه يرغب في الصبر والغفر والعفو والإصلاح بغاية الترغيب، ويذكر ما فيه من الفضائل والمحاسن. [الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية، 5/110 – 113].
فالشرائع ثلاثة شريعة عدل وهي شريعة التوراة فيها الحكم والقصاص وشريعة فضل وهي شريعة الإنجيل وشريعة نبينا جمعت هذا وهذا وهي شريعة القرآن فإنه يذكر العدل ويوجبه والفضل ويندب إليه. [جلاء الأفهام لابن القيم، ص 201 – 202].
الشبهة الثانية:
هل عفو الله تعالى يستلزم عفوه عن كل محرم أو عفوه عن المشرك والفاجر في الدنيا والآخرة؟
الرد عليها: الله سبحانه إذا كان يحب العفو لم يوجب هذا ألا يكون في بعض أنواع العفو من المعارض الراجح ما يعارض ما فيه من محبة العفو ولولا ذلك لكان ينبغي أن يعفو عن كل محرم فلا يعاقب مشركا ولا فاجرا لا في الدنيا ولا في الآخرة وهذا خلاف الواقع ولوجب أن يستحب لنا العفو عن كل كافر وفاجر فلا نعاقب أحدا على شئ وهذا خلاف ما أمرنا به وخلاف ما هو صلاح لنا ونافع في الدنيا والآخرة. [الاستقامة لابن تيمية، 1/438].
الشبهة الثالثة:
عفا الله تعالى عن حديث النفس وإن كان في الأمور التي تقدح في الإيمان لعموم قوله – صلى الله عليه وسلم - "إن الله تجَاوز لأمتي عَمَّا حدثت بِهِ أَنْفسهَا مَا لم تكلم بِهِ أَو تعْمل بِهِ"
الرد عليها:
العفو عن حديث النفس انما وقع لأمة محمد المؤمنين بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فعلم أن هذا العفو هو فيما يكون من الأمور التي لا تقدح في الايمان فأما ما نافى الايمان فذلك لا يتناوله لفظ الحديث لأنه اذا نافى الايمان لم يكن صاحبه من أمة محمد في الحقيقة ويكون بمنزلة المنافقين فلا يجب أن يعفى عما في نفسه من كلامه أو عمله وهذا فرق بين يدل عليه الحديث وبه تألفت الأدلة الشرعيه. [الزهد لابن تيمية، ص 188].
الشبهة الرابعة:
حسن الظن والاعتماد على عفو الله تعالى مع الإصرار على الذنب، والقول بأنه لا تضر المعصية مع الإيمان، وهو قول منسوب للمرجئة.
الرد عليها:
هناك فرق بين حسن الظن والغرور، فالله سبحانه موصوف بالحكمة، والعزة والانتقام، وشدة البطش، وعقوبة من يستحق العقوبة، فلو كان معول حسن الظن على مجرد صفاته وأسمائه لاشترك في ذلك البر والفاجر، والمؤمن والكافر، ووليه وعدوه، فما ينفع المجرم أسماؤه وصفاته وقد باء بسخطه وغضبه، وتعرض للعنته، ووقع في محارمه، وانتهك حرماته، بل حسن الظن ينفع من تاب وندم وأقلع، وبدل السيئة بالحسنة، واستقبل بقية عمره بالخير والطاعة، ثم أحسن الظن، فهذا هو حسن ظن، والأول غرور، فالعالم يضع الرجاء مواضعه والجاهل المغتر يضعه في غير مواضعه، ومن اعتمد على العفو مع الإصرار على الذنب فهو كالمعاند. [الجواب الكافي، لابن القيم ص 27 – 28].