سبب تكرر اسم الله "الرحمن" مع آيات القيامة
السؤال
لماذا ذكرت كلمة "الرحمن" في آيات تتحدث عن الآخرة وليس كلمة الرحيم ، مثل : (وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ) وغيرها ؟
الجواب
الحمد لله.
أولًا:
أما الآية التي ذكرت، فهي قوله تعالى:
(يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا) طه/ 108.
و"الرحمن" اسم عظيم من أسماء الله تعالى الحسنى، وهذا الاسم الكريم خاص بالله تعالى يدل على الكثرة والامتلاء وهو مشتق من الرحمة، ويعني هذا أنه يشتمل على رحمة واسعة.
ويزيد هذا الاسمَ الكريم ، كمالًا وحسنًا وفائدة : مجيئُه مقرونًا باسم "الرحيم" ، كإتيانه في البسملة، والتفريق بينهما هو الصواب فـ"الرحمن أبلغ من الرحيم؛ لأنّ زيادة البناء تدلّ على زيادة المعنى، كما في قطَع - بالتخفيف - وقطَّع - بالتشديد - "، تفسير السراج المنير، للشربيني (1/ 13)، وقال الزمخشري: "وفي ( الرَّحْمَنُ ) من المبالغة ما ليس في ( الرَّحِيمُ ) "، تفسير الكشاف: (1/ 49-50).
وقال ابن القيم: " فالرحمن الذي الرحمة وصفه، والرحيم الراحم لعباده؛ ولهذا يقول تعالى:
( وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ) [الأحزاب: 43]
( إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ) [التوبة: 117]
ولم يجيء رحمن بعباده ، ولا رحمن بالمؤمنين، مع ما في اسم الرحمن الذي هو على وزن فعلان من سعة هذا الوصف ، وثبوت جميع معناه الموصوف به، ألا ترى أنهم يقولون: غضبان للممتلئ غضبًا ، وندمان وحيران وسكران ولهفان ، لمن ملئ بذلك ؟
فبناء فعلان للسعة والشمول؛ ولهذا يقرن استواؤه على العرش بهذا الاسم كثيرًا ، كقوله تعالى:
( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ) [طه: 5]
( ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ) [الفرقان: 59]
، فاستوى على عرشه باسم الرحمن؛ لأن العرش محيط بالمخلوقات قد وسعها، والرحمة محيطة بالخلق واسعة لهم كما قال تعالى: ( وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ) [الأعراف: 156]، فاستوى على أوسع المخلوقات بأوسع الصفات؛ فلذلك وسعت رحمته كل شيء .
وفي الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لما قضى الله الخلق كتب في كتابه على نفسه فهو موضوع عنده: إن رحمتي تغلب غضبي، وفي لفظ: (فهو عنده على العرش).
فتأمل اختصاص هذا الكتاب بذكر الرحمة ووضعه عنده على العرش، وطابق بين ذلك وبين قوله:
قوله: ( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ) [طه: 5]
وقوله: ( ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا ) [الفرقان: 59]
، ينفتح لك باب عظيم من معرفة الرب تبارك وتعالى إن لم يغلقه عنك التعطيل والتجهم" انتهى، من مدارج السالكين (1/ 33 - 34).
وقال السهيلي: " وفائدة الجمع بين الصفتين: الرحمن والرحيم: الإنباء عن رحمة عاجلة وآجلة ، وخاصة وعامة".
قال ابن القيم – بعد كلام السهيلي السابق -: " وأما الجمع بين الرحمن الرحيم : ففيه معنى هو أحسن من المعنيين اللذين ذكرهما ، وهو: أن الرحمن دال على الصفة القائمة به سبحانه، والرحيم دال على تعلقها بالمرحوم، فكان الأول للوصف والثاني للفعل، فالأول دال أن الرحمة صفته، والثاني دال على أنه يرحم خلقه برحمته، وإذا أردت فهم هذا فتأمل قوله:
( وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ) [الأحزاب: 43]
( إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ) [التوبة: 117]
، ولم يجيء قط رحمن بهم، فعلم أن الرحمن هو الموصوف بالرحمة، ورحيم هو الراحم برحمته .." انتهى، من بدائع الفوائد (1/ 28).
ولعلنا من خلال الكلام السابق نخلص إلى ميزات اختص بها اسم الله "الرحمن" فمنها: مجيئ هذا الاسم على صيغة تدل على المبالغة والامتلاء، واشتماله على رحمة واسعة وعامة، وأنه اسم خاص بالله تعالى ...
ومن أجل هذه الميزات التي تميز بها اسم " الرحمن " تكرر ذكره مع الآيات الخاصة بالحديث عن يوم القيامة أكثر من اسم الله " الرحيم " :
فلا ملك يوم القيامة إلا لله الواحد القهار ، فناسب ظهور تفرده بالملك ، والحكم ، والأمر : أن يذكر اسم الرحمن ، الخاص بالله جل جلاله ، لم يسم به أحد سواه .
ولما دل عليه بناء "الرحمن" من السعة ، والامتلاء ، والشمول : ناسب ذكره مع الآيات الخاصة بيوم القيامة ، لعظم حاجة العباد إلى رحمة أرحم الراحمين ، في ذلك اليوم ، أكثر من أي زمان مضى