أقوال السلف في اسم الله (الرحمن)
أولًا: أقوال بعض الصحابة والتابعين في اسم الله (الرحمن) والفرق بينه وبين (الرحيم):
1- قال ابن عباس -رضي الله عنهما- عن (الرحمن) و (الرحيم): هما اسمان رقيقان أحدهما أرق من الآخر.
وَحكى عَنهُ أَيْضا أَنه قَالَ: " الرَّحْمَن ": الرفيق بالعباد، و " الرَّحِيم " العاطف عَلَيْهِم.
وعن ابن عباس قال: أول ما نزل جبريل على محمد- صلى الله عليه وسلم- قال له جبريل قل يا محمد بسم الله. يقول: اقرأ بذكر ربك وقم واقعد بذكره بسم الله الرحمن، قال يقول: الرحمن: الفعلان من الرحمة، وهو من كلام العرب.
2- وقال مجاهد -رحمه الله-: الرحمن بأهل الدنيا الرحيم بأهل الآخرة.
وفي الدعاء: يا رحمن الدنيا يا رحيم الآخرة.
3- وقال الضحاك -رحمه الله-: الرحمن بأهل السماء حيث أسكنهم السموات وطوقهم الطاعات، وجنبهم الآفات، وقطع عنهم المطامع واللذات، والرحيم بأهل الأرض حيث أرسل إليهم الرسل، وأنزل عليهم الكتب.
4- وقال عكرمة -رحمه الله-: الرحمن برحمة واحدة، والرحيم بمائة رحمة.
5- وقال ابن المبارك: الرحمن إذا سئل أجاب والرحيم إذا لم يسئل غضب.
6- قال عطاء الخراساني: كان الرحمن، فلما اختزلَ الرحمن من اسمه كان الرحمنَ الرحيمَ.
والذي أراد، إن شاء الله، عطاءٌ بقوله هذا: أن الرحمن كان من أسماء الله التي لا يتسمَّى بها أحد من خَلْقِه، فلما تسمَّى به الكذابُ مسيلمة - وهو اختزاله إياه، يعني اقتطاعه من أسمائه لنفسه - أخبر الله جلّ ثناؤه أن اسمه "الرحمنُ الرحيمُ" ليفصِل بذلك لعباده اسمَهُ من اسم من قد تسمَّى بأسمائه، إذ كان لا يسمَّى أحد "الرحمن الرحيم"، فيجمع له هذان الاسمان، غيره جلّ ذكره. وإنما يتسمَّى بعضُ خَلْقه إما رحيما، أو يتسمَّى رَحمن. فأما "رحمن رحيم"، فلم يجتمعا قطّ لأحد سواهُ، ولا يجمعان لأحد غيره. فكأنّ معنى قول عطاء هذا: أن الله جل ثناؤه إنما فَصَل بتكرير الرحيم على الرحمن، بين اسمه واسم غيره من خلقِه، اختلف معناهما أو اتفقا.
والذي قال عطاءٌ من ذلك غيرُ فاسد المعنى، بل جائز أن يكون جلّ ثناؤه خصّ نفسه بالتسمية بهما معًا مجتمعين، إبانةً لها من خلقه، ليعرف عبادُه بذكرهما مجموعينِ أنه المقصود بذكرهما دون مَنْ سواه من خلقه، مع مَا في تأويل كل واحد منهما من المعنى الذي ليس في الآخر منهما.
7- قال أبو بكر محمد بن عمر الوراق: الرحمن: بالنعماء وهي ما أعطي وحبا، والرحيم بالآلاء وهي ما صرف وزوى.
وقال أبو بكر الوراق أيضا: الرحمن بمن جحده والرحيم بمن وحده، والرحمن بمن كفر والرحيم بمن شكر، والرحمن بمن قال ندا والرحيم بمن قال فردا.
8- قال محمد بن علي المزيدي: الرحمن بالانقاذ من النيران، وبيانه قوله تعالى: وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها، والرحيم بإدخالهم الجنان، بيانه: ادخلوها بسلام آمنين.
9- قال المحاسبي: الرحمن: برحمة النفوس، والرحيم برحمة القلوب.
10- قال السري بن مغلس: الرحمن بكشف الكروب، والرحيم بغفران الذنوب.
11- قال عبد الله بن الجراح: الرحمن بالطريق، والرحيم بالعصمة والتوفيق.
12- قال مطهر بن الوراق: الرحمن بغفران السيئات وإن كن عظيمات، والرحيم بقبول الطاعات وإن كن [قليلات].
13- قال يحيى بن معاذ الرازي: الرحمن بمصالح معاشهم، والرحيم بمصالح معادهم.
14- قال الحسين بن الفضل: الرحمن الذي يرحم العبد على كشف الضر ودفع الشر، والرحيم الذي يرق وربما لا يقدر على الكشف.
يراجع: (الغنية لطالبي طريق الحق عز وجل، للجيلاني 1/223 – 225)، (نزهة المجالس ومنتخب النفائس، للصفوري 1/26 – 27)، (تفسير القرآن العظيم، لابن أبي حاتم 1/25)، (تفسير الطبري، 1/130)، (تفسير الثعلبي، 1/100 – 101)، (تفسير السمعاني، 1/33).
ثانيًا: أقوال بعض المفسرين في تفسير اسم الله (الرحمن) والفرق بينه وبين (الرحيم):
1- قال التستري: {الرحمن}: اسم فيه خاصية من الحرف المكنى بين الألف واللام. (تفسير التستري، أبو محمد سهل بن عبد الله بن يونس بن رفيع التُستري (المتوفى: 283هـ)، ص 22).
2- قال الزجاج: {الرحمن}: ولا يجوز أنْ يُقَال " الرحْمَنُ " إلَّا للَّهِ، وإنما كان ذَلك لأن بناءَ فَعْلان من أبنية ما يُبالغُ في وَصْفِهِ، ألا ترى أنك إذَا قُلْت غضْبانَ فمعناه الْمُمْتلئ غَضَباً. فَرحْمنُ الَّذي وَسِعَتْ رحْمَتُهُ كل شي فلاَ يَجوزُ أنْ يُقَال لغير الله رحمن. (معاني القرآن وإعرابه، إبراهيم بن السري بن سهل، أبو إسحاق الزجاج (المتوفى: 311هـ)، 1/43).
3- قال السمرقندي: {الرحمن}: العاطف على جميع خلقه بالرزق لهم، ولا يزيد في رزق التقيّ لأجل تقاه، ولا ينقص من رزق الفاجر لأجل فجوره. وما كان في لغة العرب على ميزان «فعلان» يراد به المبالغة في وصفه، كما يقال: شبعان، وغضبان، إذا امتلأ غضبا. فلهذا سمى نفسه رحمانا، لأن رحمته وسعت كل شيء، فلا يجوز أن يقال لغير الله تعالى «الرحمن» ، لأن هذا الوصف لا يوجد في غيره. (بحر العلوم، أبو الليث نصر بن محمد بن أحمد بن إبراهيم السمرقندي (المتوفى: 373هـ)، 1/14).
4- قال مكي بن أبي طالب: {الرحمن}: فأما حذف ألف {الرحمن} من الخط فلكثرة الاستعمال والاستخفاف، ولأن المعنى لا يشكل بغيره.
وقدم {الرحمن} على {الرَّحِيمِ} لأن " الرحمن " اسم شريف مبني للمبالغة لا يتسمى به غير الله جل ذكره، والرحيم قد يوصف به الخلق فأخر لذلك. (الهداية إلى بلوغ النهاية في علم معاني القرآن وتفسيره، وأحكامه، وجمل من فنون علومه، أبو محمد مكي بن أبي طالب حَمّوش بن محمد بن مختار القيسي القيرواني ثم الأندلسي القرطبي المالكي (المتوفى: 437هـ)، 1/96).
5- قال الماوردي: {الرحمن}: فيه قولان: أحدهما: أنه اسم عبراني معرب , وليس بعربي , كالفسطاط رومي معرب , والإستبرق فارسي معرب , لأن قريشاً وهم فَطَنَةُ العرب وفُصَحَاؤهم , لم يعرفوهُ حتى ذكر لهم , وقالوا ما حكاه الله تعالى عنهم:
{ ... وَمَا الرَّحْمنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُوراً} [الفرقان: 60]
, وهذا قول ثعلب واستشهد بقول جرير:
(أو تتركون إلى القسّين هجرتكم ... ومسحكم صلبهم رحمن قربانا)
قال: ولذلك جمع بين الرحمن والرحيم , ليزول الالتباس , فعلى هذا يكون الأصل فيه تقديم الرحيم على الرحمن لعربيته , لكن قدَّم الرحمن لمبالغته.
والقول الثاني: أن الرحمن اسم عربي كالرحيم لامتزاج حروفهما , وقد ظهر ذلك في كلام العرب , وجاءت به أشعارهم , قال الشنفري:
(أَلاَ ضَرَبَتْ تِلْكَ الْفَتَاةُ هَجِينَهَا ... أَلاَ ضَرَبَ الرًّحْمنُ رَبِّي يَمِينَهَا)
فإذا كانا اسمين عربيين فهما مشتقان من الرحمة , والرحمة هي النعمة على المحتاج , قال الله تعالى:
{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107]
, يعني نعمةً عليهم , وإنما سميت النعمةُ رحمةً لحدوثها عن الرحمة. والرحمن أشدُّ مبالغةً من الرحيم , لأن الرحمن يتعدى لفظه ومعناه , والرحيم لا يتعدى لفظه , وإنما يتعدى معناه , ولذلك سمي قوم بالرحيم , ولم يتَسَمَّ أحدٌ بالرحمن , وكانت الجاهليةُ تُسمِّي اللهَ تعالى به وعليه بيت الشنفرى , ثم إن مسيلمة الكذاب تسمَّى بالرحمن , واقتطعه من أسماء الله تعالى , قال عطاء: فلذلك قرنه الله تعالى بالرحيم , لأن أحداً لم يتسمَّ بالرحمن الرحيم ليفصل اسمه عن اسم غيره , فيكون الفرق في المبالغة , وفرَّق أبو عبيدة بينهما , فقال بأن الرحمن ذو الرحمة , والرحيم الراحم. (تفسير الماوردي - النكت والعيون، أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن حبيب البصري البغدادي، الشهير بالماوردي (المتوفى: 450هـ)، 1/52 -53).
6- قال الراغب الأصفهاني: {الرحمن}: فليس يطلق إلا لله كلفظة الله، فإنهما اسمان اختص بهما الباري جل وعز باتفاق. (تفسير الراغب الأصفهاني، أبو القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهانى (المتوفى: 502هـ)، 1/50).
7- قال البغوي: {الرحمن}: اختلفوا في الرحمن والرحيم، منهم من قال: هما بمعنى واحد مثل ندمان ونديم، ومعناهما ذو الرحمة، وذكر أحدهما بعد الآخر تطميعا لقلوب الراغبين، وقال المبرد: هو إنعام بعد إنعام وتفضل بعد تفضل، ومنهم من فرق بينهما فقال: للرحمن معنى العموم، وللرحيم معنى الخصوص، فالرحمن بمعنى الرزاق في الدنيا، وهو على العموم لكافة الخلق، والرحيم بمعنى العافي في الآخرة والعفو في الآخرة للمؤمنين على الخصوص.
ولذلك قيل في الدعاء: يا رحمن الدنيا ورحيم الآخرة، فالرحمن من تصل رحمته إلى الخلق على العموم، والرحيم من تصل رحمته إليهم على الخصوص، ولذلك يدعى غير الله رحيما ولا يدعى [غير الله] رحمانا، فالرحمن عام المعنى خاص اللفظ، والرحيم عام اللفظ خاص المعنى، والرحمة إرادة الله الخير لأهله، وقيل: هي ترك عقوبة من يستحقها وإسداء الخير إلى من لا يستحق، فهي على الأول صفة ذات وعلى الثاني صفة فعل. (معالم التنزيل في تفسير القرآن - تفسير البغوي، محيي السنة ، أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي الشافعي (المتوفى : 510هـ)، 1/71 -72).
8- قال فخر الدين الرازي: {الرحمن}: الرحمة عبارة عن التخليص من أنواع الآفات، وعن إيصال الخيرات إلى أصحاب الحاجات. (مفاتيح الغيب - التفسير الكبير، أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي الملقب بفخر الدين الرازي خطيب الري (المتوفى: 606هـ)، 1/24).
9- قال القرطبي: {الرحمن}: وقد قيل في اسمه الرحمن: إنه اسم الله الأعظم، ذكره ابن العربي. (الجامع لأحكام القرآن - تفسير القرطبي، أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي شمس الدين القرطبي (المتوفى: 671هـ)، 1/106).
10- قال البيضاوي: {الرحمن}: وكذا الرحيم اسمان بنيا للمبالغة من رحم، كالغضبان من غضب، والعليم من علم، والرحمة في اللغة: رقة القلب، وانعطاف يقتضي التفضل والإحسان، ومنه الرَّحِم لانعطافها على ما فيها. وأسماء الله تعالى إنما تؤخذ باعتبار الغايات التي هي أفعال دون المبادي التي تكون انفعالات. والرَّحْمنِ أبلغ من الرَّحِيمِ، لأن زيادة البناء تدل على زيادة المعنى كما في قَطَّعَ وقَطَعَ وكَبَّار وكِبَار. (أنوار التنزيل وأسرار التأويل، ناصر الدين أبو سعيد عبد الله بن عمر بن محمد الشيرازي البيضاوي (المتوفى: 685هـ)، 1/27).
11- قال السمين الحلبي: {الرحمن}: صفتان مشتقتان من الرحمة، وقيل: الرحمنُ ليس مشتقاً لأن العربَ لم تَعْرِفْه في قولهم: {وَمَا الرحمن} [الفرقان: 60] وأجاب ابن العربي عنه بأنهم جَهِلوا الصفةَ دونَ الموصوفِ، ولذلك لم يقولوا: وَمَنْ الرحمن؟. (الدر المصون في علوم الكتاب المكنون، أبو العباس، شهاب الدين، أحمد بن يوسف بن عبد الدائم المعروف بالسمين الحلبي (المتوفى: 756هـ)، 1/30).
12- قال ابن كثير: {الرحمن}: وقد زعم بعضهم أن العرب لا تعرف الرحمن، حتى رد الله عليهم ذلك بقوله:
{قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى} [الإسراء: 110]
؛ ولهذا قال كفار قريش يوم الحديبية لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: "اكتب {بسم الله الرحمن الرحيم} "، فقالوا: لا نعرف الرحمن ولا الرحيم. رواه البخاري، وفي بعض الروايات: لا نعرف الرحمن إلا رحمن اليمامة. وقال تعالى:
{وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا وزادهم نفورا} [الفرقان: 60]
، والظاهر أن إنكارهم هذا إنما هو جحود وعناد وتعنت في كفرهم؛ فإنه قد وجد في أشعارهم في الجاهلية تسمية الله تعالى بالرحمن، قال ابن جرير: وقد أنشد لبعض الجاهلية الجهال ألا ضربت تلك الفتاة هجينها ... ألا قضب الرحمن ربى يمينها. (تفسير القرآن العظيم، أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي (المتوفى: 774هـ)، 1/126 -127).
13- قال ابن عرفة: {الرحمن}: قلت: لِمَ قدم الوصف بالرّحمان مع أنه أبلغ على الوصف بالرحيم فيلزم أن يكون تأكيدا للأقوى بالأضعف.
(فأجيب) (بوجهين):
- الأول: الرّحمان لما كان خاصا بالله تعالى جرى مجرى (الأسماء) الأعلام التي تلي العوامل فقدم على الرحيم.
- (الثاني): إن الرّحمان دال على جلائل النعم والرّحيم على دقائقها. قاله الزمخشري. (تفسير ابن عرفة، محمد بن محمد ابن عرفة الورغمي التونسي المالكي، أبو عبد الله (المتوفى: 803هـ)، 1/27).
14- قال الثعالبي: {الرحمن}: صفة مبالغة من الرحمة، معناها: أنه انتهى إلى غاية الرحمة، وهي صفة تختصّ بالله تعالى، ولا تطلق على البشر، وهي أبلغ من فعيل، وفعيل أبلغ من فاعل لأن راحما يقال لمن رحم ولو مرة واحدة، ورحيما يقال لمن كثر منه ذلك، والرحمن النهاية في الرحمة. (الجواهر الحسان في تفسير القرآن، أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي (المتوفى: 875هـ)، 1/160).
15- قال أبو السعود: {الرحمن}: صفتان مبنيتان من رَحِمَ بعد جعله لازماً بمنزلة الغرائز بنقله إلى رَحُمَ بالضمِّ كما هُوَ المشهورُ وقد قيل إن الرحيم ليس بصفة مشبَّهة بل هي صيغة مبالغة نص عليه سِيبَويه. (تفسير أبي السعود - إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم، أبو السعود العمادي محمد بن محمد بن مصطفى (المتوفى: 982هـ)، 1/11).
ثالثًا: أقوال بعض أهل العقيدة في صفة الرحمة:
1- قال ابن حزم الظاهري: وقد علمنا أن الله تعالى أرحم الراحمين حقا لا مجاز من أنكر هذا فهو كافر. (الفصل في الملل والأهواء والنحل، أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي القرطبي الظاهري (المتوفى: 456هـ)، 2/124).
2- قال ابن القيم: من أعطى اسم الرحمن حقه عرف أنه متضمن لإرسال الرسل، وإنزال الكتب، أعظم من تضمنه إنزال الغيث، وإنبات الكلأ، وإخراج الحب، فاقتضاء الرحمة لما تحصل به حياة القلوب والأرواح أعظم من اقتضائها لما تحصل به حياة الأبدان والأشباح، لكن المحجوبون إنما أدركوا من هذا الاسم حظ البهائم والدواب، وأدرك منه أولو الألباب أمرًا وراء ذلك. (مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين، محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن قيم الجوزية (المتوفى: 751هـ)، 1/32).
3- قال السفاريني: صفة الرحمة هي صفة قديمة قائمة بذاته تعالى تقتضي التفضل والإنعام.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - قدس الله روحه - في شرح العقيدة الأصفهانية: الذي اتفق عليه سلف الأمة وأئمتها أن يوصف الله تعالى بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل. (لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية، شمس الدين، أبو العون محمد بن أحمد بن سالم السفاريني الحنبلي (المتوفى: 1188هـ)، 1/221).
4- قال محمد بن عبد الوهاب: عن أبي هريرة - رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسَلَّم: «لما خلق اللَّه الخلْقَ كتبَ في كتابٍ فهو عندَه فوق العرش: إِن رحمتي غَلبَتْ غضبي» رواه البخاري. ويثبت هذا الحديث العرش، وأنه سبحانه فوق العَرش على السماء، ويثبت صفة الرحمة والغضب لله سبحانه وتعالى. (أصول الإيمان، محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي النجدي (المتوفى: 1206هـ)، ص 41).
5- قال ابن عيسى، قال ابن القيم – رحمه الله -: وأما الجمع بين الرحمن والرحيم ففيه معنى بديع وهو أن الرحمن دال على الصفة القائمة به سبحانه والرحيم دال على تعلقها بالمرحوم وكأن الاول الوصف والثاني الفعل فالاول دال على أن الرحمن صفته أي صفة ذات له سبحانه والثاني دال على أنه يرحم خلقه برحمته أي صفة فعل له سبحانه فإذا أردت فهم هذا فتأمل قوله تعالى {وكان بالمؤمنين رحيما} [الاحزاب: 43] {إنه بهم رؤوف رحيم} [التوبة: 117] ولم يجىء قط رحمن بهم فعلمت أن رحمن هو الموصوف بالرحمة ورحيم هو الراحم برحمته. (توضيح المقاصد وتصحيح القواعد في شرح قصيدة الإمام ابن القيم، أحمد بن إبراهيم بن حمد بن محمد بن حمد بن عبد الله بن عيسى (المتوفى: 1327هـ)، 1/14).
6- قال الهراس: وقد أنكرت الأشاعرة والمعتزلة صفة الرحمة بدعوى أنها في المخلوق ضعف وخور وتألم للمرحوم، وهذا من أقبح الجهل، فإن الرحمة إنما تكون من الأقوياء للضعفاء، فلا تستلزم ضعفا ولا خورا؛ بل قد تكون مع غاية العزة والقدرة، فالإنسان القوي يرحم ولده الصغير وأبويه الكبيرين ومن هو أضعف منه، وأين الضعف والخور ـ وهما من أذم الصفات. (شرح العقيدة الواسطية، ويليه ملحق الواسطية، محمد بن خليل حسن هرّاس (المتوفى: 1395هـ)، 1/106).
7- قال البراك، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: الرحمة رحمتان، رحمة من صفة الذات وهي لا تتعدد، ورحمة من صفة الفعل. (تعليقات الشيخ البراك على المخالفات العقدية في فتح الباري، عبد الرحمن بن ناصر البراك، 10/432).