كورونا الداء والدواء(الجزء الثاني)


ماجد بن سليمان الرسي

الخطبة الثانية: كورونا الداء والدواء


الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، أما بعد، فيا أيها المسلمون، إن من أهم أسباب الوقاية من وباء كورونا أو غيره من الشرور والآفات أمورا سبعة:


الأول: التوكل على الله، وهو اعتماد القلب عليه مع بذل الأسباب الحسية للوقاية من الشرور،

قال الله تعالى

(ومن يتوكل على الله فهو حسبُه)

 ومعنى حسبُه أي كافيه.


والثاني : العلم بأن وجود هذا البلاء أو غيره والإصابة به والسلامة منه إنما هو بتقدير الله تعالى، فلو فعل الإنسان كل الأسباب الحسية والمعنوية، وقد قدَّر الله عليه الإصابة بالبلاء لأصابه،

قال الله تعالى

(وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير)

الثالث: كثرة العبادة،

قال تعالى

(أليس الله بكاف عبده)

 ففي هذه الآية ربط الله كفايته لعبده من الشرور بوصفه بالعبودية، فمن كان كثير العبادة كان حقيقا بمزيد الكفاية من الشرور والآفات.


الرابع: ومن أسباب كفاية الله لعبده من الشرور صدق التوكلِ عليه، وهو اعتماد القلب على الله مع بذل الأسباب الحسية للوقاية من الشرور،

قال الله تعالى

(ومن يتوكل على الله فهو حُسبُه)

 أي كافِيه.

الخامس: ومن أسباب كفاية الله لعبده من الشرور كثرة الصلاة على النبي (صلى الله عليه وسلم)، والدليل على ذلك أن كعبا رضي الله عنه أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أنه سيكثر من الصلاة عليه حتى يجعلها جُـلَّ دعائه، فقال له: إذاً تُكفَى هــمَّك، ويُغفَر ذنبُك 1. 


السادس: ومن أسباب كفاية الله لعبده من الشرور صلاة أربع ركعات في الضحى، ركعتين ركعتين، والدليل على ذلك قول الله تعالى في الحديث القدسي: ابْنَ آدَمَ ، ارْكَعْ لِي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ أَكْفِكَ آخِرَهُ 2.  والمراد بقوله (أكفِكَ آخره)؛ أي أكفِك ما فيه من الآفات والحوادث الضارة.


السابع: ومن أعظم أسباب كفاية الله لعبده من الشرور والآفات المحافظة على الأذكار والأوراد الصباحية والمسائية، ومنها:

• قراءة سورة الإخلاص والمعوذتين ثلاثا في الصباح والمساء،

والدليل على ذلك قوله (صلى الله عليه وسلم) لعبد الله بن خبيب بن عدي رضي الله عنه: قل:

(قل هو الله أحد) والمعوذتين حين تمسي وتصبح ثلاث مرات، تكفيك من كل شيء 3.

وعن حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: لم يكن رسولُ الله (صلى الله عليه وسلم) يَدَعُ هؤلاء الدعواتِ حينَ يُمْسِي وحينَ يُصبح:

اللَّهُمَّ إني أسالُكَ العافيَةَ في الدُنيا والآخرة، اللَّهُمَّ إني أسالُكَ العفوَ والعافيَةَ في ديني ودنياي وأهلي ومالي، اللَّهُمَّ استُر عوراتي، وآمِن رَوْعَاتي، اللَّهُمَّ احفظني مِنْ بين يدي ومن خلفي، وعن يميني وعن شِمالي ومن فوقي، وأعوذُ بعظمتِكَ أن أُغْتَال مِن تحتي 4.

• ومن الأذكار المسائية قراءة الآيتين من آخر سورة البقرة إذا حل المساء،

لقوله عليه الصلاة والسلام:

من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه 5.

• ومن الأذكار التي تحفظ المسلم إذا خرج من منزله دعاء الخروج من المنزل،

فعنْ أنسٍ رضي الله عنه قَالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم): مَنْ قَالَ - يعنِي إِذَا خَرَج مِنْ بيْتِهِ -:

(بِسْم اللَّهِ، توكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ، وَلا حوْلَ وَلا قُوةَ إلاَّ بِاللَّهِ)؛ يقالُ لهُ: (هُديتَ وَكُفِيت ووُقِيتَ)، وتنحَّى عَنْهُ الشَّيْطَان، فيقول: يعْنِي الشَّيْطَان - لِشَيْطانٍ آخر: كيْفَ لَكَ بِرجُلٍ قَدْ هُدِيَ وَكُفي وَوُقِي ؟ 6

• ومن الأذكار سؤال الله العافية دائما،

فعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال:

اسْأَلُوا اللَّهَ العَفْوَ وَالعَافِيَةَ، فَإِنَّ أَحَدًا لَمْ يُعْطَ بَعْدَ اليَقِينِ خَيْرًا مِنَ العَافِيَة 7.

وكان (صلى الله عليه وسلم) يدعو في قنوته فيقول:

وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْت 8.

وكان من دعائه (صلى الله عليه وسلم):

اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك، وتَـحَوُّلِ عافيتك، وفُجاءة نقمتك، وجميع سخطك 9.

• ومن الأذكار الواردة في باب الاستعاذة من الأمراض

حديث أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) كَانَ يَقُولُ:

اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْبَرَصِ وَالْجُنُونِ وَالْجُذَامِ وَمِنْ سَيِّئْ الْأَسْقَام 10.


والجذام مرض يصيب الإنسان في أطرافه، حتى يقضي على البدن كله.


• والأحاديث والأذكار الواردة في باب الكِفاية من الشرور كثيرة، وهي مدونة في كتب الأذكار، مثل كتاب «الكلم الطيب» لابن تيمية، و «الأذكار» للنووي، و «حصن المسلم» للقحطاني، وغيرها.
سبحانَ خالقِ كورونا ومُرسلِه على العبادِ يُريهم كيفَ هم ضُعَفا
فيروسُ ليس يُرى بالعين من صِغَرٍ لكن بأكثرِ سكانِ الدُّنا عَصَفا
كم اقتصادٍ هوى من بعدِ رفعتِه وكمْ حِراكٍ على ذي الأرضِ قد وقفا
وعطّلَ الناسَ عن سعيٍ وعن سفرٍ رهنَ البيوتِ كفُصٍّ لازم الصَّدفا
(أنْ لا مِساسَ) شعارُ الناس من قَلَقٍ كلٌ يحاذرُ مِنْ لـَمْسٍ له تلفا
كم أمةٍ أصبحت في عيشها شَظَفَاً كانت تَبَخْتَرُ في نَعمائها تَرَفا
حتى الحبيبانِ عَن بُعْدٍ سلامُهما مِثْلُ الشحيحِ زوى الكفينِ والكتفا
سبحانَ خالقِ كورونا ومُرسلِه مُــخوّفاً خَلْقَهُ مِنْ بأسِهِ أَسَفا
لعلهم أن يُفيقوا بعد غَفْلَتِهم ويخلعوا الكبر والطغيان والأنَفا
لعلهم أن يَـحُسُّوا نعمةً كُفِرتْ كمْ مِنْ نعيمٍ نُسِيْ مِن طُوْلِ ما أُلِفا
لعلنا أن نرى حِلْمَ الكريمِ بنا فلو يشاء بِنا في لحظةٍ خَسَفا
يا ربِّ عجّلْ بِيُسرٍ بعد ما عَسُرت وافرُجْ علينا فشهرُ الصومِ قد أزِفا 


• عباد الله، إن هذا الوباء خطير على الأرواح، وانتشاره سريع، وهذا يتطلب على المؤمن كثرة التضرع إلى الله بالسلامة منه، فإن الحياة نعمة، وقد استأمن الله عباده على أرواحهم، كما قال النبي (صلى الله عليه وسلم): وإن لنفسك عليك حقا. 

ثم اعلموا رحمكم الله أن الله سبحانه أمركم بأمر عظيم

فقال

(إن اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تسليما)

وقال النبي صلى الله عليه وسلم:

إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خُلِق آدم عليه السلام، وفيه قُبِــــض، وفيه النفخةفأكثروا عليَّ من الصلاة، فإن صلاتكم معروضة علي)[3]

.اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض عن أصحابه الخلفاء، وارض عن التابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين

اللهم ما نزل بلاء إلا بذنب، وما كُـشِف إلا بتوبة، وهذه أيدينا إليك بالذنوب، ونواصينا إليك بالتوبة، اللهم ارفع عنا الوباء إنا مسلمون، اللهم ارفع عنا الوباء إنا مسلمون، اللهم ارفع عنا الوباء إنا مسلمون. اللهم من مات في هذا الوباء من المسلمين فارحمه، ومن مرض فاجمع له بين الأجر والعافية. اللهم بلغنا رمضان، اللهم بلغنا رمضان، اللهم بلغنا رمضان. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

سبحان ربنا رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.


المراجع

  1. رواه الترمذي (2407)، وحسنه الألباني.
  2. رواه الترمذي (475) عن أبي الدرداء وأبي ذر رضي الله عنهما، وصححه الألباني.
  3. رواه أبو داود (5082) وغيره، وصححه الألباني.
  4. رواه أبو داود (5074)، وابن ماجه (3871)، وصححه الألباني.
  5. رواه البخاري (4008) ومسلم (807) من حديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه.
  6. رواه أبو داود (595)، وحسنه الشيخ شعيب الأرناؤوط في التعليق على «سنن أبي داود».
  7. رواه أبو داود (3849) وغيره، وحسنه الشيخ شعيب الأرناؤوط في التعليق على «سنن أبي داود».
  8. رواه أحمد (1/199)، وصححه محققو «المسند» برقم (1718).
  9. رواه مسلم (2736) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه.
  10. رواه أحمد (3/192)، وقال محققو «المسند»: إسناده صحيح على شرط مسلم.




السابق التالى

مقالات مرتبطة بـ كورونا الداء والدواء(الجزء الثاني)

  • ذكر الله

    الشيخ محمد صالح المنجد

      ذكر الله وهو من أعظم أسباب التثبيت. - تأمل في هذا الاقتران بين الأمرين في قوله عز وجل:  {يَا

    10/03/2013 3343
  • مراحل الصراع الديني _ مرحلة الانفصال السياسي

    فريق عمل الموقع

    قسَّم قسطنطين الإمبراطورية قبل وفاته عام (337)م, على أبنائه الثلاثة: فأخذ قسطنطين الثاني الغرب، وقسطنطيوس الشرق،

    25/01/2010 4565
  • كورونا الداء والدواء(الجزء الاول)

    ماجد بن سليمان الرسي

     الخطبة الاولي : كورونا الداء والدواء إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ،

    19/04/2021 1041
معرفة الله | علم وعَملIt's a beautiful day