الدَّليلُ الرَّابعُ
(4)
الدَّليلُ الرَّابعُ عَلى بُطْلانِ مَقُولَة:
(إنَّ الْمَسِيح إلـٰهٌ وربٌّ) هُو أنَّه قَد وَرَدَ عنِ الْمَسِيحِ نَفْسِه مَا يُثْبتُ أنَّه إِنْسانٌ، ومِنْ أَصْلٍ بَشَري:
* فَقَد وَرَدَ في «إنْجِيل لُوقَا» في الإصْحَاح التَّاسِع، عَدَد 56، قَولُ الْمَسِيح عَنْ نَفْسِه:
«لأنَّ ابنَ الإنْسَان لمْ يَأتِ لِيَهْلِك أَنْفُسَ النَّاس».
فَهَذَا النَّصُّ صَريحٌ في أنَّ الْمَسِيح لَيْس ابنَ اللهِ, وإنَّمَا ابنُ الإنْسَان، وهُو الْجِنْس الْبَشَري.
ومن المعلوم أنه ابن مريم، حملته في بطنها، وتقلَّب في رحِـمِها، ثم ولدته كما تلد سائر النساء أولادَهُن.
* وفي «إنْجِيل يُوحَنَّا» (8-28) قَالَ الْمَسِيحُ:
«فَقَالَ لَهُم يَسُوعُ: مَتَى رَفَعْتُم ابنَ الإِنْسَانِ،... ولَسْتُ أَفْعلُ شَيئًا مِنْ نَفْسِي».
ألا يَدلُّ هَذَا النص الصريح عَلى أنَّ الْمَسِيح بَشر؟
لوْ كَانَ الْمَسِيح ربًّا لَمَا وَصَفَ نَفْسَه بِالْبَشَريَّة في قَوْلِه: (ابن الإنْسَان)، ولَمَا قَالَ: (لَسْتُ أَفْعَل شَيئًا مِنْ نَفْسِي)، لأنَّ رَبَّ الْكَوْن يَفْعَل كُلَّ شَيءٍ، ويَدُبِّر أَمَرَ الْكَونِ كُلِّه، وبِنَاءً عَليه فَلا يُمْكِن عَقْلًا أنْ يَقُولَ الْمَسِيحُ: (لَسْتُ أَفْعَلُ شَيئًا مِنْ نَفْسِي) وهُو ربُّ الْكَوْن في نَفْسِ الْوَقْت، وإلا كان المسيح مُراوِغا في كلامه، حاشاه من ذلك.
* وفي «إنْجِيل مَتَّى» (1/34) قَالَ يَسُوعُ عَنْ نَفْسِه للْجُمُوعِ: «جَاءَ ابنُ الإنْسَانِ يَأْكُل ويَشْرَب».
* كَمَا قَالَ الْمَسِيحُ لِمَن أَرَادَ قَتْلَه: «ولكِنَّكُم الآنَ تَطْلُبونَ أنْ تَقْتُلُوني. وأنَا إنْسَانٌ قَدْ كَلَّمَكُم بِالْحَقِّ الَّذِي سَـمِعَه مِنَ اللهِ. هَذَا لمْ يَعْمَلْهُ إبْرَاهِيم». «يوحنا» (8/ 40).
* بَلْ لَمَّا قِيل للمسيح ڠ: (أَنْتَ ابنُ اللهِ) كَانَ خَاتِمَةُ جَوابِه أنَّه ابنُ الإنْسَانِ. انْظُرْ: «إنْجِيل يُوحَنَّا» (1/ 49-51).
* وفي الأَنَاجِيل إشَارَاتٌ أُخْرى لِبَشَريَّة الْمَسِيح، انْظُر: «لُوقَا» (17/ 22) (18/ 8)، «متَّى» (12/ 32).
فوصْفُ الْمَسِيحِ ڠ لِنَفْسِه بِشَكْلٍ مُتكررٍ وصَريحٍ بَأنَّه إنْسَانٌ وابن الإنسانِ دَليلٌ وَاضِحٌ وصَريحٌ عَلى أنَّه بَشَرٌ، ولا يُمْكِن أنْ يَصْدُرَ مِمَّن يَقُول هَذَا الْكَلامَ أوْ حتى يَقُوم في نَفْسِه مُجَرَّدُ ظَنٍّ بأنَّه هُو اللهُ أو ابْنُه، أوْ أنَّه نَزَلَ إلَى الأَرْضِ لِيَدْعُو النَّاسَ إلى عِبَادَةِ نَفْسِه، وإلَّا كَان شَخْصًا يُحَاوِل اللَّعِب بِعُقُول الآخَرينَ، وحَاشَا الْمَسِيح أنْ يَكُونَ كَذَلِكَ.
فَتَبيَّنَ مِنْ هَذِه النُّصُوص بُطْلان مَقُولة: (إنَّ الْمَسِيح ربٌّ وإلـٰهٌ)، وأَنَّ الحقَّ الثَّابتَ في الأَنَاجِيلِ أنَّه بَشَر.