نفحات قرآنية في سورة النحل


الشيخ محمد بن صالح الشاوي

قال تعالى: ﴿ لَا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ ﴾ [النحل: 23].

قوله: ﴿ لَا جَرَمَ ﴾، أي: حقًّا إن الله يعلم ما يخفونه وما يعلنونه من أقوالهم وأفعالهم القبيحة، وهي تحمل معنى القسم.

♦♦♦

قال تعالى: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ﴾ [النحل: 35].

قوله: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ ﴾، كلمة حق أريد بها باطل، وهو أن الله قادر على منعهم من عبادة غير الله، ومنعهم من فعل المحرمات، ولكنه لم يفعل، فهو إذًا راضٍ بفعلهم، ونسوا أنه جعلهم مختارين، ولم يجبرهم، فاختاروا الضلال على الحق، وأن الله لا يرضى لعباده الكفر.

وقد كذبهم الله صراحة في سورة الأنعام لما قالوا هذا القول، فقال تعالى: ﴿ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ ﴾ [الأنعام: ١٤٨].

♦♦♦

قال تعالى: ﴿ إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ ﴾ [النحل: 37]

لا شك أنهم هم الذين اختاروا الضلال على الهدى، كما قال تعالى في سورة الصف: ﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾ [الصف: 5]، وإضلال الله لهم إضلال جزائي وليس ابتدائي، وهو مبني علي ضلالهم الاختياري.

♦♦♦

قال تعالى: ﴿ وَلَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ ﴾ [النحل: 52]

قوله: ﴿ وَاصِبًا ﴾، أي: خالصًا في جميع الأوقات والأحوال.

♦♦♦

قال تعالى: ﴿ وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ * ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ ﴾ [النحل: 53، 54]

أي: إذا مسهم ضر فإنهم يجأرون إلى الله بالدعاء، فإذا كشف ضرهم ونجاهم فإنهم ينسون مسبب الأسباب الذي كانوا يضجون إليه بالدعاء، وينسبون النجاة للطبيب، أو قائد المركبة، ونحوهم.

♦♦♦

قال تعالى: ﴿ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 93]

أي: لجعلهم كالملائكة لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، ولكن جعلهم مختارين؛ ليضل من يختار الضلال، ويهدي من يشاء الهداية، وكل مسؤول عن عمله واختياره.

♦♦♦

قال تعالى: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 97]

قوله: ﴿ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: هي الرضى والقناعة.

♦♦♦

قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ ﴾ [النحل: 105]

قوله: ﴿ إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ﴾، أي: لا يؤمنون بآيات الله الكونية والقرآنية.

♦♦♦

قال تعالى: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ﴾ [النحل: 108]

طَبْعُ الله على قلوبهم هو طبع جزائي؛ لإصرارهم على الكفر بعد البلاغ.

♦♦♦

قال تعالى: ﴿ ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النحل: 119]

لا شك أن من عمل المعصية سفهًا وجهالة فهو جاهل؛ ولو كان عنده علم كثير، قال ابن عباس رضي الله عنه: كل من عصى الله فهو جاهل، وقال مجاهد: كلمن عصى الله خطأ أو عمدًا فهو جاهل حتى ينزع عن الذنب.

وقال الدكتور سلمان بن فهد العودة: إن شهوة المعصية تغطي على العقل فيكون بذلك جاهلًا ويتصرف تصرف الجاهلين.

وقد أعجبني كلامه هذا، فهو تحليل وجيه.

♦♦♦

قال تعالى: ﴿ وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ ﴾ [الأنعام: 124]

أي: جُعلت عقوبة عملهم وهو مسخهم قردة وخنازير على الذين استحلوا الصيد يوم السبت وكان محرمًا عليهم.


السابق التالى

مقالات مرتبطة بـ نفحات قرآنية في سورة النحل

  • نفحات قرآنية في سورة العصر

    الشيخ محمد بن صالح الشاوي

    قال تعالى: ﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ

    01/05/2021 1153
  • نفحات قرآنية في سورة ق

    الشيخ محمد بن صالح الشاوي

    قال تعالى: ﴿ ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ ﴾ [ق: 1]. هذا قسم، وجواب القسم في قوله تعالى: ﴿ إِنَّكَ لَمِنَ

    07/01/2021 1211
  • نفحات قرآنية في سورة الكافرون

    الشيخ محمد بن صالح الشاوي

    قال تعالى: ﴿ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ﴾ [الكافرون: 6] قال الشيخ ابن عثيمين: أحيانًا الدين يكون للجزاء، مثل

    06/05/2021 1141
معرفة الله | علم وعَملIt's a beautiful day