نفحات قرآنية في سورة الشعراء
﴿ وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ ﴾ [الشعراء: 5]
أي: ما يأتي هؤلاء الكفار شيء من القرآن أو الوحي منزل من عند الرحمن إلا كذبوا واستهزؤوا به، ولم يتأملوا ما فيه من المواعظ والعِبَر.
وقوله: ﴿ مُحْدَثٍ ﴾؛ أي: جديد في النزول، ينزل وقتًا بعد وقت، ولذا يقال: القرآن قديم النوع حادث الآحاد.
وليس في هذا دليل للمعتزلة على ما زعموه من كون القرآن مخلوقًا، فإنهم يستدلون على ذلك بكونه وُصف بأنه محدث، ومعلوم أن القرآن كلما نزل منه شيء على النبي -صلى الله عليه وسلم- كان جديدًا عليه وعلى الناس؛ لأنهم لم يكونوا يعلمونه من قبل، فهو محدث بالنسبة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وإلى الناس.
أما ما يقال: إن القرآن قديم النوع فلأنه مكتوب في اللوح المحفوظ من قبل، فهو معلوم عند الله ومعلوم عند كتبة اللوح المحفوظ محدث بالنسبة للنبي وللناس.
♦ ♦ ♦
﴿ وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ ﴾ [الشعراء: 19]
قوله: ﴿ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ ﴾؛ أي: كفر نعمته؛ والمقصود كفر نعمة فرعون عليه؛ حيث رباه في قصره صغيرًا.
♦ ♦ ♦
﴿ فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾ [الشعراء: 21]
قوله: ﴿ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾؛ أي: أعطاني ربي الحكمة والعلم.
♦ ♦ ♦
﴿ لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ ﴾ [الشعراء: 40]
لما اجتمع الناس في صعيد واحد قال بعضهم لبعض: تعالوا لنحضر لهذين الساحرين - موسى وهارون - لعلنا نتبعهم إذا كانوا هم الغالبين، وذلك استهزاء وسخرية بهما، وهذا يدل على أنهم لن يتبعوا موسى ولو كان هو المنتصر بالمناظرة، ولو كان عندهم رغبة باتباع الحق لقالوا: لعلنا نتبع الغالب منهما.
♦ ♦ ♦
﴿ كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾ [الشعراء: 59]
قال سيد قطب في ظلال القران: ولا يُعرف أن بني إسرائيل عادوا إلى مصر بعد خروجهم إلى الأرض المقدسة وورثوا ملك مصر وكنوز فرعون ومقامه، لذلك يقول المفسرون: إنهم ورثوا مثل ما كان لفرعون ومَلَئِهِ؛ فهي وراثة لنوع ما كانوا فيه من جنات وعيون وكنوز ومقام كريم. انتهى.
وفي تتبعي لقصتهم في القرآن وجدتهم ورثوا التِّيه واللجاج وتفريقهم في الأرض ومسخ بعضهم، واللعن لمشاغبتهم وقتلهم أنبياءهم، ولم أجد لهم عزًّا ولا دولة إلا في ملك داود وابنه سليمان عليهما الصلاة والسلام؛ فأما سليمان عليه الصلاة والسلام فقد اتهموه بالسحر لما سخر الله له الشياطين ومردة الجن، وأما نبي الله داود عليه الصلاة والسلام فقد اتهموه بامرأة أحد قادة جيشه كما ذكر ذلك المفسرون في سورة ص عند الآية رقم: 24.
وعلى هذا يكون إرثهم هنا هو المذكور في سورة الأعراف: ﴿ وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ ﴾ [الأعراف: 137]؛ حيث صار لا منازع لهم لو أرادوها أو غيرها بعد إغراق فرعون وجنودهم وهم ينظرون.
♦ ♦ ♦
﴿ وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ ﴾ [الشعراء: 14]
الذنب المذكور في هذه الآية هو ما قام به موسى عليه الصلاة والسلام من قتل القبطي المشاغب مع الإسرائيلي الذي استنجد به.
♦ ♦ ♦
﴿ إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ ﴾ [الشعراء: 177]
لم يقل: (إذ قال لهم أخوهم شعيب) كما قال لمن قبله من الأنبياء؛ لأن شعيبًا ليس منهم وإنما هو من مدين.