الله جل جلاله « الرب » :
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وبعد
تتمثل حقائق الإسلام العظمى في ثلاثة حقائق، وهي: الله عز وجل، والقرآن العظيم والنبي المرسل محمد بن عبدالله .
وفي هذا المبحث سنعرض للحديث عن قضية عظيمة تعد الأبرز والأكثر أهمية في مشروع التعريف بالإسلام، وفيها يكون الخلل ضارا أكثر من غيره.
إن الحديث عن الله جل جلاله من أعظم وأجلّ ما يمكن للداعية الحديث عنه؛ فالله جل جلاله ليس معلومة مجردة وعبارة أدبية ولفظة تقال وحسب بل الحديث عن الله جل جلاله حديث الانطلاقة التي لا يسبقها حديث، والحقيقة التي نقدمها بلا تردد ولا خوف، ونقطة الالتقاء التي نقبل غيرها.
وسنركز القول في منهجية التعريف التي نقصد بها الأسلوب، أو الطريقة، وكذلك وسائل العرض التي سيستخدمها الداعية في عرض تلك الحقائق على المدعوِّين، والتي يجب أن تتخذ في توضيحها الترتيب العلمي في طريقة العرض، حتى وإن أخذت شكلًا أكثر بساطة من حيث المحتوى، فعلى الداعية أن يقوم بتوضيح التعريف اللغوي للحقيقة المراد توضيحها، ثم التعريف الاصطلاحي، ويختار تعريفًا جامعًا يطرحه على المدعوِّين، كما أن على الداعية أن يوضح ما يمكن أن يتداخل مع تلك الحقيقة من معان، وأن يوضح خصائص وصفات تلك الحقيقة العظمى للمدعوِّين.
وإن كان من أمر يوصى به الدعاة المعرّفون بالإسلام فهو العلم بالله حتى يخالط – ذاك العلم-شغاف قلوبهم فيعلمونه بعين البصيرة قبل عين البصر، ويتلذذون بالحديث والتعبير عنه؛ فلا يملون ترداد اسمه وصفته في كل لحظة وموقف.
يستشعرون معيته ونصرته وحفظه وتسديده وفضله وإحسانه وبره وتدبيره وتقديره، وينتظرون لذة النظر إلى وجهه الكريم في دار الجزاء والخلود.
الله جل جلاله
أولًا: الله جل جلاله «الرب»:
هو ربّ كلّ شيء، ومليكه، الخالق وحده، المدبر للكون كله، العالم بكل شيء، المحيي، المميت، الرزاق، القادر، المتصف بكل كمال، المتنزه من كل نقص وعيب، المستحق للعبادة وحده، قال الله عز وجل معرِّفًا عباده بنفسه:
{هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23) هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (24)} .
[الحشر: 22-24]
وقال جلَّ ثناؤه:
{اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255)}
[البقرة: 255].
وقال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (62)}
[الحج: 62]
وقال: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)}
[الإخلاص: 1-4]
ولله عز وجل أسماء كثيرة سمَّى بها نفسه، وقد ورد في الآيات السابقة شيء منها، والقرآن الكريم والسُّنَّة المطهرة حافلان بذكر أسماء الله عز وجل.
وكل اسم من تلك الأسماء يتضمن صفة يتصف بها الله تبارك وتعالى (1).
وأشهر تلك الأسماء، وأعظمها، وأجلها هو اسم (الله).
ولهذا الاسم خصائص كثيرة، منها ما يلي:
1 – أنه اسم الله الأعظم: حيث ذكر ذلك جماعة من أهل العلم، وبينَّوا أن الله هو الاسم الأعظم الذي إذا دعي به الرب أجاب، وإذا سئل به أعطى.
2 – أن هذا الاسم هو الأصل لجميع أسماء الله الحسنى، وسائر الأسماء مضافة إليه، ويوصف بها،
قال الله تعالى:
{وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا}
[الأعراف: 180].
وقال تعالى:
{اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى (8)}
[طه: 8].
وقال تعالى:
{هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23) هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (24)}
[الحشر: 22-24].
وأما معنى هذا الاسم: فأصله «الإله» وهو بمعنى: المعبود، قال ابن عباس رضي الله عنهما: الله «ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين» رواه ابن جرير في تفسيره (2 ).
فقد جمع رضي الله عنه في هذا التفسير بين أمرين:
الأول: الوصف المتعلق بالله من هذا الاسم الكريم، وهو الألوهية، التي هي وصفه الدالُّ عليها لفظ «الله» كما دلَّ على العلم الذي هو وصفه لفظ «العليم» وكما دلَّ على العزة التي هي وصفه لفظ «العزيز» وكما دلَّ على الحكمة التي هي وصفه لفظ «الحكيم» وكما دلَّ على الرحمة التي هي وصفه لفظ «الرحيم» وغيرها من الأسماء الدالة على ما قام بالذات من مدلول صفاتها.
فكذلك الله هو ذو الألوهية، والألوهية هي الوصف العظيم الذي استحق أن يكون به إلهًا، بل استحق ألا يشاركه في هذا الوصف مشارك بوجهٍ من الوجوه.
وأوصاف الألوهية هي جميع أوصاف الكمال، وأوصاف الجلال، والعظمة، والجمال، وأوصاف الرحمة والبر والكرم والامتنان؛ فإن هذه الصفات هي التي يستحق أن يُؤْله ويعبد لأجلها؛ فيؤله لأن له أوصاف العظمة، والكبرياء، ويؤله لأنه المتفرد بالقيومية والربوبية والملك والسلطان، ويؤله لأنه المتفرد بالرحمة وإيصال النعم الظاهرة، والباطنة، إلى جميع خلقه، ويؤله لأنه المحيط بكل شيء علمًا وحكمًا وحكمةً، وإحسانًا، ورحمةً، وقدرةً، وعزةً، وقهرًا، ويؤله لأنه المتفرد بالغنى المطلق التام من جميع الوجوه، كما أن ما سواه مفتقر إليه على الدوام من جميع الوجوه، مفتقر إليه في إيجاده وتدبيره، مفتقر إليه في إمداده ورزقه، مفتقر إليه في حاجاته كلها، مفتقر إليه في أعظم الحاجات، وأشد الضرورات، وهي افتقاره إلى عبادته وحده والتأله له وحده، فالألوهية تتضمن جميع الأسماء الحسنى، والصفات العليا.
الثاني: الوصف المتعلق بالعبد من هذا الاسم، وهو العبودية، فالعباد يعبدونه ويألهونه،
قال الله تعالى:
{وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ}
[الزخرف: 84].
أي: يا أهل السماء، وأهل الأرض طوعًا وكرهًا، فكلهم خاضعون لعظمته، منقادون لإرادته ومشيئته، عانون لعزته وقيُّوميَّته. وعباد الرحمن يؤلهونه، ويعبدونه، ويبذلون له مقدورهم من التأله القلبي والروحي والقولي والفعلي بحسب مقاماتهم، ومراتبهم، وقد جمع الله هذين المعنيين في عدة مواضع من القرآن،
مثل قوله تعالى:
{إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14)}
[طه: 14].
وقوله:
{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25)}
[الأنبياء: 25].
وقوله:
{فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا}
[مريم: 65]
المراجع
- ابن القيِّم، «بدائع الفوائد»، د. ط، 1/159 -170، وابن عثيمين، «القواعد المثلى»، ط3، ص 37- 38.
- آل الشيخ، «تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد»، ط1، ص30]