نفحات قرآنية في سورة آل عمران
قال تعالى:﴿ فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ﴾ [آل عمران: 61].
هذه الآية تسمى: آية المباهلة، ونسميه في عصرنا الحاضر: تحدي. وقد نزلت في نصارى نجران الذين خالفوا النبي -صلي الله عليه وسلم- لما قدموا عليه في المدينة في أمور فطلب منهم المباهلة وواعدهم وحدد لهم وقتًا لذلك فلم يحضروا لخوفهم وعلمهم بما سيترتب على ذلك.
قال تعالى: ﴿ هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [آل عمران: 66].
أي: جادلتم الرسول في ما لكم به علم من أمر دينكم؛ فلم تحاجُّون في أمور لا علم لكم بها.
قال تعالى:﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران: 104] .
أي: ولتكن منكم جماعة يدعون إلى الخير، يعني: يدعون إلى كل ما يحبه الله ورسوله، و(من) في قوله: ﴿ مِنْكُمْ ﴾ على القول الراجح: للتبيين، مثل قوله: ﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ﴾ [الحج:30].
وقد طبق الملك عبدالعزيز رحمه الله ذلك حينما استتب له الحكم، فشكل هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المملكة العربية السعودية.
قال تعالى:﴿ بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ ﴾ [آل عمران: 125].
قوله:﴿ وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ ﴾، أي: يهاجمونكم بغتة.
قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران: 130] .
أدخل آيةَ الربا هذه مع آيات الجهاد ليخبر أن الدِّين كله مرتبط ببعضه البعض، وأنهم لن يُهزموا إلا إذا أن ابتعدوا عن دينهم وتركوا أوامر الله تعالى في كل شيء، ومن ذلك التعامل بالربا.
قال تعالى: ﴿ إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [آل عمران: 153]
قوله: ﴿ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ ﴾، أي: بسبب غمكم لرسول الله-صلي الله عليه وسلم- فقد جازاكم بغم مثله.
قال تعالى: ﴿ لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ ﴾ [آل عمران: 198].
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي صاحب (أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن): معلوم أن النُّزُل هو ما يُعَدُّ للضيف إكرامًا له، وليس جزاءً أو أجرة له على عمله.
وقال –صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح: «لن يدخل أحد الجنة بعمله»، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: «ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمته» [جزء من حديث أخرجه البخاري برقم (5673)، ومسلم برقم (2816)، عن أبي هريرة رضي الله عنه].
وفي كثير من آيات القرآن يقول الله تعالى: ﴿ الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 32]، وفي مواضع أخرى: ﴿ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الواقعة: 24] ، وهذا يعارض الحديث والآية التي تنص على النُّزُل.
والتحقيق: أن دخول الجنة إنما يكون بسبب الأعمال الصالحة إذا قبلها الله برحمته، فصار بذلك العمل المقبول هو جزاؤه الجنة.
والعمل الصالح المقبول هو ما تحقق فيه شرطان: الإخلاص لله، وأن يكون مطابقًا لسنة محمد -صلي الله عليه وسلم-، والذي تحقق فيه الشرطان من العمل صاحبه يتغمده الله برحمته فيقبل عمله ويدخله الجنة جزاءً على أعماله الصالحة.
ومذهب أهل السنة: أن الباء في قوله: «لن يدخل أحد الجنة بعمله» [سبق تخريجه، انظر الهامش السابق] : هي باء العوض، مثل: اشتريت هذا القلم بريال، والباء في قوله جل وعلا: ﴿ الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 32] ، باء السببية، أي: بسبب أعمالكم الصالحة المقبولة.
قلت: وأظنُّ: أن هذا وذاك مرجعهما رَحْمَةُ الله بعد إخلاص العمل له.