نفحات قرآنية في سورة هود (2)
قال تعالى: ﴿ قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ ﴾ [هود: 53].
وقال تعالى: ﴿ وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ﴾ [هود: 59].
قوله: ﴿ يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ ﴾، أي: ما جئتنا يا هود ببينة وبرهان ودليل حتى نؤمن لك، قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: إنهم كَذَبُوا بقولهم هذا؛ لأن هود عليه الصلاة والسلام جاءهم بعدد من الآيات والبينات.
بل كذبهم الله بقوله: ﴿ وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ... ﴾، أي: إن عادًا جحدوا الآيات والبراهين والبينات التي جاء بها نبيهم هود عليه الصلاة والسلام، وهذا تكذيب من الله لهم بإنكارهم الآيات؛ والآيات تشمل المعجزات.
♦♦♦
قال تعالى: ﴿ قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ ﴾ [هود: 91].
لقد فقهوا كل قول قاله لهم شعيب عليه الصلاة والسلام من النصائح والمواعظ، ولكن لما أفحمهم بالحجج والبراهين ولم يجدوا جوابًا يقولونه لذا قالوا هذه المقولة، وهي: ﴿ قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ ﴾، ولهذا سمي شعيب بخطيب الأنبياء.
♦♦♦
قال تعالى: ﴿ وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ ﴾ [هود: 108].
قال الشيخ البسام: هذا الاستثناء المذكور بالنسبة لأهل الجنة في قوله: ﴿ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ ﴾ هو خاص بالعصاة الذين يدخلون النار، فهم خالدون في النار حتى يُطهَّروا، وبعد أن تتم مشيئة الله بتطهيرهم يدخلون الجنة، فهم خالدون في الجنة بعد ذلك أبدًا؛ إلا المدة التي تم تطهيرهم فيها.
وأما الخلود الأبدي الذي لا استثناء فيه فهو لمن يدخل الجنة برحمة الله ابتداءً، ولمن يدخل النار كافرًا.
وإن أهل البدع يستدلون بقول الله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ ﴾ [النساء: 14]، ويتركون الآية الأخرى وهي قوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: ٤٨]، ليستدل بها على بدعته.
♦♦♦
قال تعالى: ﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [هود: 112].
أي: يا محمد استقم أنت ومن معك من الذين آمنوا على الحق كما أمرت، ولا تتجاوزوا ما حدده الله تعالى.
وقد سئل الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن الشيب الذي أَلَمَّ برأسه فقال: "شيبتني هود وأخواتها" [أخرجه الحاكم (2/518)، عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه]، قيل: شيبته هذه الآية لما فيهما من قصص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ومآل الأمم.
♦♦♦
قال تعالى: ﴿ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ﴾ [هود: 119].
قوله: ﴿ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ، ﴾ أي: خلقهم لعبادته وجعلهم مختارين للهدى والضلال، ثم يجعل رحمته للمهتدين.