نفحات قرآنية .. في سورة النساء (2)
قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ﴾ [النساء: 29].
(إلا) في قوله: ﴿ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ ﴾ ، استثناء منقطع بمعنى: لكن، والمعنى: اجعلوها تجارة وتراضوا عليها وحينئذ يكون الربح حلالًا.
• • • •
قال تعالى: ﴿ أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا ﴾ [النساء: 78].
قال الشيخ محمد متولي الشعراوي عند تفسير قوله تعالى: ﴿ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ﴾: إن كل ما يحصل في الكون هو من عند الله تقنينًا كونيًّا ينتظم الحركة والسكون، فالله هو الذي جعل المرء قادرًا على العمل حَسَنهِ وسيئِه، والثواب والعقاب يرتب توجيهَ الطاقة، فإذا هو اختار عمل الخير وأقدم عليه فإنه يثاب على اختياره ونيته وإقدامه، وإذا اختار عمل الشّر وأقدم عليه فإنه يعاقب على اختياره وعمله، ويسمى: كسبًا.
فإذا قيل: إن الله أراد ذلك منه.
قيل: نعم، هو أراد بأسبابها ومقدماتها.
فالله خلق الإنسان وجعله مختارًا لهذا أو لهذا، ومن أجل ذلك فهو مريد كونًا ما يكون منه، فإنْ فعل الخير فهو مراد الله شرعًا وكونًا، وإنْ فعل الشّر فهو لم يخرج عن مراد الله، فالله قد هداه النجدين، وأقدره على فعل كل ما يريد، لكنه جل وعلا لا يريد شرعًا الشر، ولا يأمر بالفحشاء.
• • • •
قال تعالى: ﴿ فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا ﴾ [النساء: 88].
قوله: ﴿ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ ﴾ ، إضلال الله لهم إضلال جزائي مبني على ضلالهم الاختياري، كما في قوله تعالى في سورة الصف: ﴿ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ ﴾ [الصف: 5].
• • • •
قال تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾ [النساء: 92].
قال الشيخ عبدالله المطلق: إن بعض العلماء قال: إنْ لم يستطع الصيام فعليه أن يطعم ستين مسكينًا، قياسًا على الظهار.
• • • •
قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 93].
سئل الشيخ صالح بن حميد: ما معنى الخلود في هذه الآية؟
فأجاب: فسر العلماء الخلود هنا: بالمكث الطويل، وليس الخلود الأبدي الذي يختص به المشركون والكفار والمنافقون؛ لأن صاحب الكبيرة الذي لم يُغْفَرُ له يمكث في النار زمنًا حتى يتطهر، ثم يُغْفَرُ له فيخرج من النار ويدخل الجنة، وهذا هو تفسير أهل السنة والجماعة.
• • • •
قال تعالى: ﴿ لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا * دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [النساء: 95، 96].
أي: فضل الله المجاهدين في سبيله على غيرهم من الناس بأجور عظيمة، ومن ذلك أنه أعد لهم في الجنة درجات، وهي منازل بعضها أعلى من بعض مع المغفرة والرحمة.
• • • •
قال تعالى: ﴿ وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا ﴾ [النساء: 119].
قال عالم الإعجاز القرآني الشيخ عبدالمجيد الزنداني: إذا نجح الباحثون في الغرب في الاستنساخ البشري؛ فإن هذه الآية تنطبق عليهم.
قلت: هذه الآية تنطبق عليهم؛ سواء نجحوا أم لم ينجحوا؛ لأنهم يسعون في تغيير خلق الله، وليس بعد الكفر ذنب.
قال تعالى: ﴿ مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا ﴾ [النساء: 143].
إضلال الله لهم إضلال جزائي على ضلالهم الاختياري، لأن الله جعله مختارًا ولم يجبره، فاختار الشك والحيرة والضلال على الهدى.
• • • •
قال تعالى: ﴿ لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 162].
قوله: ﴿ الصَّلَاةَ ﴾، نصب على المدح أو على التخصيص لقصد الاهتمام بالصلاة، أي: إن المقيمين للصلاة والمحافظين عليها سوف نؤتيهم أجرًا عظيمًا، وذلك لأهمية الصلاة ومكانتها في الإسلام.
• • • •
قال تعالى: ﴿ يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [النساء: 176].
قوله: ﴿ الْكَلَالَةِ ﴾: هو الذي يموت وقد مات والداه وأجداده وليس له ذرية. وقوله: ﴿ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً ﴾ ، هم الإخوة الأشقاء والإخوة لأب.