نفحات قرآنية .. في سورة النساء (1)
قال تعالى: ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا ﴾ [النساء: 3].
أي: إذا خفتم أن لا تقوموا بحق النساء اليتامى اللائي تحت ولايتكم إذا تزوجتموهن فعليكم أن تتزوجوا غيرهن من النساء.
وقوله: ﴿ أَلَّا تَعُولُوا ﴾، من العَوْل: وهو الظلم، أو من العيلة: وهو الفقر، كما قال تعالى في سورة الضحى: ﴿ وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى ﴾ [الضحى: 8].
• • • •
قال تعالى: ﴿ وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا * وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا ﴾ [النساء: 15، 16].
قوله: ﴿ وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ ﴾، قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: الفاحشة هنا هي السحاق، وهو أن تجامع الأنثى أنثى مثلها.
وقوله: ﴿ وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُم ﴾، قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله، أي: واللذان يفعلان اللواط.
أما جمهور المفسرين فقالوا في هاتين الآيتين: إنهما منسوختان بآية الزنا التي في سورة النور، وهي قوله تعالى: ﴿ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [النور: 2، 3]، وهذا في الزاني والزانية الغير محصنين -أي: الغير متزوجين-، أما المحصن فحده الرجم، كما ثبت في السنة.
• • • •
قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾ [النساء: 17].
قوله:﴿ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَة ﴾، قال مجاهد: من عصى ربه فهو جاهل حتى ينزع عن معصيته، وقال: من عمل سوءًا خطأ، أو إثمًا عمدًا: فهو جاهل حتى ينزع منه.
وقال قتادة: أجمع أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على أن كل من عصى ربه فهو في جهالة، عمدًا كان أو لم يكن، وكذلك قال ابن عباس رضي الله عنه.
وقال أبو العالية: «سألت أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- عن هذه الآية، فقالوا لي: «كل من عصى الله فهو جاهل، ومن تاب قبل الموت فقد تاب من قريب».
وأصل السيئات: الجهل وعدم العلم.
قال الدكتور سلمان العودة: إن غلبة الشهوة أو الانتقام تغطي على عقله فتنسيه علمه.
• • • •
قال تعالى: ﴿ وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا * حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [النساء: 22، 23].
قوله: ﴿ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ ﴾، أي: كما قد سلف؛ حيث كان الولد يرث امرأة أبيه غير أمه ويتزوجها إن رغب في الجاهلية، وكانوا يجمعون بين الأختين في الجاهلية.
• • • •
قال تعالى: ﴿ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النساء: 25].
قوله: ﴿ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ﴾ ، أي: أن المملوكات من الإماء المتزوجات إذا ثبت أن إحداهن قد زنت فإن عليها نصف ما على الحرائر من العذاب.
وحيث إن الحرائر المتزوجات إذا زنت إحداهن فإنها تعاقب بالرجم، ومعلوم أن الرجم لا يتنصف؛ لذلك فإن المملوكة تعاقب بالجلد بدلًا من الرجم؛ ولهذا فإن العذاب المذكور في الآية معناه أن تجلد خمسين جلدة.
كما أن الرجم سيؤدي إلى إهلاكها، وهذا فيه إتلاف لمال صاحبه الذي اشتراها ولا ذنب له في ذلك، أما العذاب فليس كذلك.
وحتى أشد العذاب لا يسمى موتًا؛ كما قال نبي الله سليمان عليه الصلاة والسلام في الهدهد: ﴿ لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ ﴾ [النمل: 21]، فسليمان عليه الصلاة والسلام فرق بين العذاب والذبح وهو الموت؛ فلله الحكمة البالغة من قبل ومن بعد.