الأخلاق بين الدين والإلحـاد
الأخلاق ليسـت مُربحــــــة عمليـا
هل من المفيد عمليـا أن تكون عادلا أو تقول الصدق؟؟
هل نستطيع أن نقول أن الأسبان لم يربحوا من القضاء على الهنود الحمر ؟؟
أو أن المستوطنين البيض لم يستفيدوا من الإبادة الشاملة لسكان أمريكا الشمالية الأصليين ؟؟
وهل يخسر ماديا الفن الإباحي أو الكتابات الداعرة ؟؟
إننـا نُعرِّف الأخلاق الأصيلـة بأنهـا سلوك قد يكون ضد المصلحة الشخصية .. فالأخلاق غير النفعيـة غير المصلحية هي في الأساس غير مُربحة مـاديـا .
إن عظمة العمل البطولي ليست في نجاحه حيث أنه غالبا ما يكون غير مثمر ولا في معقوليته لأنه عادة ما يكون غير معقول .. لابد أن يكون وجود عالم آخر ممكنا فنحن لا نستطيع أن نعتبر الأبطال المأساويين منهزمين بل منتصرين وطبعا من الواضح أنهم ليسوا منتصرين في هذا العالم .. فهل للوجود الإنساني معنى آخر .. معنى مختلف عن هذا المعنى النسبي المحدود ..
فالسلوك الأخلاقي والتضحية والمُثُل العليا إما أنها لا معنى لها وإما أن لها معنى في وجود الله .. والخُلاصة إذا لم يكن الله موجودا فلا وجود للإنسان
فمنذ اللحظة التي هبط فيها الإنسان من السماء لا يستطيع الإنسان ان يختار أن يكون حيوان بريء ( فالحيوان بريء من الناحية الأخلاقية بينما الإنسان إمـا خير أو شرير لا يوجد انسان بريء من الناحية الأخلاقية ) لم يكن بإمكانه أن يختار بين أن يكون حيوان أو إنسان إنما اختياره الوحيد أن يكون إنسانا أو لا إنسان
فلو كان الإنسان حيوان كامل لكانت حياته بسيطة خالية من الأسرار والطقوس الغامضة والمعتقدات والرموز ولا يعرف الحيوان شيئا من هذا كله وهنا يكمن معنى تلك اللحظة التي صنعت عصرا جديدا .. فإن توفير حد أقصى من إشباع اللذات هو الغاية القصوى للحيوان وسبب موت الإنسان فإذا إذا انتفى وجود الله انتفى وجود الإنسان فإما أن يكون الإنسان لاإنسـان ملحد أو إنسان مؤمن
فالأخلاق يكمن في داخلها قيمة التكليف الإلهي فهي كما اتفقنا غير مربحة مـاديا لكنها تستمد قيمتها من عالم آخر .. فالسلوك الأخلاقي والتضحية والمُثُل العليا إما أنها لا معنى لها وإما أن لها معنى في وجود الله
فإذا صَّح لنا أننا نرتفع من خلال المعاناة وننحط بالاستغراق في المُتع فذلك لأننا نختلف عن الحيوانات .. إننـا أتينـا بمُقدمة من السمـاء نشعر بقيمة الأخلاق داخل كل فرد منِّـا رغم اعترافنا أنها ماديـا غير مُجـدية .
وأعود لأقـول أن الأخلاق تعني في صورتها النهائية الرائقة :- الحيـاة ضد الطبيعة .. ضد المـادة .. ضد العقـل وهذا خلاصة ما ذكرناه آنفـا
فالأخلاق كالإنسـان تماما لا عقلانية لا طبيعية أو قُل فوق الطبيعة .. والأخلاق كمبدأ لا يُمكن وجودهـا بغير دين .. أما الأخلاق كممارسة فهذا شأن آخر .. وعندمـا يُمارس الملحد الأخلاق فهذا شيء جميل لكن هذا لا يتسق في شيء مع مذهبه بل فيه اعتراف ضمني بأن الإنسان ليس مُخيـر في رفض التكليف الإلهي .
الأخلاق والدين يرتبطان معـا بالعالم الآخر الأسمى لا يوجد ما يربطهما بهذا العالم .. فالأخلاق في صيغتهـا الأولى التي وهبها الله لآدم هي دين تحول إلى قواعد للسلوك .. فالله وحده هو مصدر رأس المال الأخلاقي الرهيب الذي ورثه الإنسان الأول .
والمُحـرمات كالأخلاق تماما هي الأُخرى بلا معنى لا عقلانية .. لكن لا يشعر الإنسان أنه إنسان إلا إذا ترفع وزهد فإذا كان الإنسان هو ابن الطبيعة كما يقولون فكيف تسنى له أن يبدأ في معارضة الطبيعة إن معنى حياة الإنسان لا يتحقق إلا بإنكار الحيوان الذي بداخله ..
فلا معنى للإنسان إلا في وجود الله .. فإذا كان الإنسـان موجودا فإن الله والدين موجودان ويبقى أن نستجيب لداعي الحق {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ .. أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَّا يُوقِنُونَ }الطور36 والذي خلقنا سبحانه وتعالى له الخلق والامر معا وليس الخلق فقط ..
{ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ }
الأعراف54
المراجع
- المراجع للإستزادة :- كتـاب الإسلام بين الشرق والغرب .. تأليف:- علي عزت بيجوفيتش .. ترجمة :- محمد يوسف عدس .. مؤسسة بافاريـا