لماذا يذنب العبد؟
هناك سؤال يطرح نفسه لماذا يذنب العبد؟
لا يمكن التقليل من قوة ضغط الذنوب والخطايا على الإنسان حتى يندفع إلى ارتكابها مع كثرة ما يعرف عن آثارها الوخيمة في الدنيا وعاقبتها الفظيعة في الآخرة، فالخطايا كالخيول العنيدة المتمردة على صاحبها ، ولا لجام لها ليمسك بها فتقتحم بصاحبها إلى المخاطر.
وهنا يأتي السؤال: من أين جاءت هذه القوة للخطايا؟ أو قل: إذا كانت الذنوب بهذه الخطورة وهذا التأثير المدمر في حياة الإنسان فلماذا يرتكبها، وهذا بحث نفسي واجتماعي وقد يحتاج إلى إجراء استبيان، لكن سنحاول أن نسلط الضوء على الداء، ومن ثم معرفة الدواء.
أولا: الجهل، وهو على أشكال، منها الجهل بمقام الربوبية ووظائف العبودية، فإن من يعرف الله تعالى يتجنب المعاصي بمقدار تلك المعرفة ويؤتيه الله تعالى فرقاناً يميز به بين الحق والباطل
(إنْ تَتقوا اللهَ يَجعَل لَكُم فُرقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُم سَيئَاتِكُم وَيَغفِرْ لَكُم وَاللهُ ذُو الفَضلِ العَظِيمِ)
[الأنفال:29].
حتى إذا اكتملت عنده المعرفة ،أصبح عبداً خالصاً لله تعالى ينفر بطبعه من المعصية ويتقزز منها، فمن رأى الغيبة على حقيقتها ووجدها أكلاً للحم أخيه ميتاً هل يقدم عليها؟ ومن رأى الدنيا جيفة قد اجتمعت عليها الكلاب هل يتنافس عليها، وهكذا.
ثم الجهل بأمور الدين، فما دام الإنسان لم يتفقه في دينه ولم يتعرف على ما يقربه إلى الله تعالى ويجنبه سخطه فإنه يتورط في المعاصي من حيث يعلم أو لا يعلم،فجهل المرء بعيوبه من أكبر ذنوبه؛ وكتطبيق لهذا المبدأ فقد ورد في الأثر: (من أراد التجارة فليتفقه في دينه ليعلم بذلك ما يحلُّ له مما يحرم عليه، ومن لم يتفقه في دينه ثم اتجر تورط في الشبهات).
لا يختص بالتجارة وإنما يعم كل شؤون الحياة؛ لأنها كلها مقنَّنة بأحكام في الشريعة، فالجهل بها يوقع في المعصية كجهل ربِّ الأسرة بأن كثيراً مما يفعله في البيت هو ظلم لزوجته وأسرته، والظلم ذنب لا يغفر حتى يرضى المظلوم.