إنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُّحِبُّ الْجَمَالَ
ولمحبته سبحانه للجمال أنزل على عباده لباساً وزينة تجمل ظواهرهم، ولباس التقوى الذي يجمل بواطنهم كما قال سبحانه: {يَابَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26)} [الأعراف: 26].
وكذلك جمَّل سبحانه أهل الجنة بأكمل جمال وأحسنه فقال في وصفهم: {وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا (11) وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا (12)} [الإنسان: 11، 12].
فجمَّل وجوههم بالنضرة، وقلوبهم بالسرور، وأبدانهم بالحرير والحلى، وقصورهم بالذهب والفضة، وجعل خدمهم كاللؤلؤ المنثور.
وهو سبحانه كما يحب الجمال في الأقوال والأفعال، والهيئة واللباس، يبغض القبيح من الأقوال والأفعال، والهيئات والثياب، فهو سبحانه الجميل الذي يحب الجمال وأهله، ويبغض القبيح وأهله.
والجمال ثلاثة أنواع:
منه ما يحمد .. ومنه ما يذم .. ومنه ما لا يتعلق به مدح ولا ذم.
فالمحمود منه: ما كان لله، وأعان على طاعة الله، وتنفيذ أوامره، وكان - صلى الله عليه وسلم - يتجمل للوفود، وهو نظير لباس آلة الحرب للقتال، ولباس الحرير في الحرب والخيلاء فيه، كل ذلك محمود إذا تضمن إعلاء كلمة الله، ونصر دينه، وغيظ عدوه.
والمذموم منه: ما كان للدنيا والرياسة والشهرة والفخر والخيلاء، والتوسل إلى الشهوات المحرمة، وأن يكون هو غاية العبد، وأقصى مطلبه، فإن أكثر النفوس ليس لها همة في سوى ذلك.
وأما ما لا يحمد ولا يذم: فهو ما خلا عن هذين القصدين، وتجرد عن الوصفين.
قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُّحِبُّ الْجَمَالَ» أخرجه مسلم (1).
فهذا الحديث مشتمل على أصلين عظيمين:
أوله معرفة .. وآخره سلوك.
فيعرف العبد ربه بالجمال الذي لا يماثله فيه شيء، ويعبده بالجمال الذي يحبه من الأقوال والأعمال والأخلاق واللباس.
فالله عزَّ وجلَّ يحب من عبده أن يجمِّل لسانه بالصدق، ويجمِّل قلبه بالإيمان والتوحيد، والإخلاص والمحبة، والإنابة والتوكل، والخوف والخشية.
ويجمِّل جوارحه بالطاعات، ويجمِّل بدنه بإظهار نعمة الله عليه في لباسه، وتطهيره من الأنجاس والأحداث.
فيعرف ربه بالجمال الذي هو وصفه، ويعبده بالجمال الذي هو شرعه ودينه.
إن هذا الوجود الذي خلقه الله جميل، وجماله من جمال خالقه الجميل، الذي يملك الجمال كله، جمل الدنيا بما شاء، وجمل الآخرة بما شاء.
وهذا الجمال الذي خلقه الله في هذا الكون يتكرر كل يوم بل كل لحظة، ونراه في السماء ونجومها وكواكبها، وفي الأرض ونباتها وأشجارها، وما يدب عليها من إنسان وطير وحيوان.
قال الله تعالى: {إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (6)} [الصافات: 6].
وقال الله تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (7)} [الكهف: 7].
وقال الله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (64)} [غافر: 64].
إن عنصر الجمال مقصود قصداً في هذا الوجود، فكما يدل الخلق على الخالق، كذلك يدل الجمال على جمال الرب سبحانه، وإتقان الصنعة يجعل كمال الوظيفة في كل شيء يصل إلى حد الجمال، وكمال التكوين يتجلى في صورة جميلة في كل خلق، وفي كل عضو.
فسبحان الخلاق العليم: {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ (7)} ... [السجدة: 7].
فهل يستيقظ القلب ليتملى ويتتبع مواضع الحسن والجمال في هذا الدين العظيم، وفي هذا الكون العظيم؟، ومن ثم يصل إلى واهب الحسن والجمال في هذه المخلوقات، فيؤمن به، ويعرف جلاله وجماله، ويدين له بالعبودية والطاعة: {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ (6) وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (7) تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (8)} [ق: 6 - 8].
اللهم كما خلقتنا في أحسن تقويم، زين قلوبنا بالإيمان، واشرح صدورنا لليقين، وجمل جوارحنا بالطاعات، وارزقنا أحسن الأقوال والأعمال والأخلاق، يا ذا الجلال والإكرام.