هل يصح إطلاق المسيحية على النصرانية؟
فالحقُّ والصواب أن يطلق عليهم نصارى، أو أهل الكتاب؛ لأن في نسبتهم للمسيح عليه السلام خطأ فاحشا؛ إذ يلزم من ذلك عزو ذلك الكفر والانحراف إلى المسيح عليه السلام، وهو منه بريء.
سئل فضيلة الشيخ: محمد بن صالح العثيمين رحمه الله عن إطلاق المسيحية على النصرانية؟ والمسيحي على النصراني؟
فأجاب بقوله: لا شك أن انتساب النصارى إلى المسيح بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم انتساب غير صحيح؛ لأنه لو كان صحيحا لآمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم ، فإن إيمانهم بمحمد صلى الله عليه وسلم إيمان بالمسيح عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام؛ لأن الله تعالى قال: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِين} [الصف: 6], ولم يبشرهم المسيح عيسى ابن مريم بمحمد صلى الله عليه وسلم، إلا من أجل أن يقبلوا ما جاء به؛ لأن البشارة بما لا ينفع لغو من القول لا يمكن أن تأتي من أدنى الناس عقلا، فضلا عن أن تكون صدرت من عند أحد الرسل الكرام أولي العزم، عيسى ابن مريم، عليه الصلاة والسلام، وهذا الذي بشَّر به عيسى ابن مريم بنى إسرائيل هو محمد صلى الله عليه وسلم، وقوله: { فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ} [الصف: 6].
وهذا يدل على أن الرسول الذي بشَّر به قد جاء، ولكنهم كفروا به وقالوا: هذا سحر مبين. فإذا كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم، فإن هذا كفر بعيسى ابن مريم الذي بشَّّرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وحينئذ لا يصح أن ينتسبوا إليه فيقولوا: إنهم مسيحيون. إذ لو كانوا حقيقة لآمنوا بما بشَّر به المسيح ابن مريم؛ لأن عيسى ابن مريم وغيره من الرسل قد أخذ الله عليهم العهد والميثاق أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، كما قال الله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِين} [آل عمران: 81]. والذي جاء مصدقًا لما معهم هو محمد صلى الله عليه وسلم؛ لقوله تعالى:{ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ} [المائدة: 48].
وخلاصة القول أن نسبة النصارى إلى المسيح عيسى ابن مريم نسبة يكذبها الواقع؛ لأنهم كفروا ببشارة المسيح عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام وهو محمد صلى الله عليه وسلم، وكفرهم به كفر بعيسى ابن مريم، عليه الصلاة والسلام.
وسئل فضيلة الشيخ ابن باز رحمه الله هل الصحيح أن يقال: مسيحي أو نصراني؟
فأجاب قائلا:
معنى مسيحي نسبة إلى المسيح ابن مريم عليه السلام، وهم يزعمون أنهم ينتسبون إليه وهو بريء منهم ، وقد كذبوا فإنه لم يقل لهم إنه ابن الله، ولكن قال: عبد الله ورسوله . فالأولى أن يقال لهم نصارى، كما سمَّاهم الله سبحانه وتعالى، قال تعالى : { وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَىَ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ...} [البقرة:113] .