مكان التوحيد
اعلم أن محل السمع في الأذن ، و محل البصر في العين ، و محل الكلام في اللسان ، و محل العقل في القلب ، و كلها تصب في القلب العلوم ، و تملؤه بالتوحيد و الإيمان الذي يحرك القلوب و الجوارح بالطاعة و العبادة حسب تلك المعارف لربها الواحد الأحد ، المالك لكل أحد ، القادر على كل أحد ، الغني عن كل أحد ، المحيط بكل أحد ، الرحيم بكل أحد .
و البصر في العين كالبصيرة في العقل ، هذا يبصر المرئيات ، و ذاك يبصر المعقولات ، و البصر أعظم وسيلة للبصيرة في تقوية التوحيد :
" أَوَلَمْ يَنظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ "
(الأعراف /185)
و محل التوحيد في القلب اعتقادا ، وفي اللسان قولا ، و في الجوارح عملا .
و جزاء التوحيد في الدنيا سعادة و أمنا ، و في الجنة ثوابا و رضوانا :
"إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ "
(فصلت / 30-32)
و كمال التوحيد و تمامه أن يعلم العبد أن الخلق و الأمر في الكون كله بيد الله لا بيد غيره .فلا يرى نفعا ولا ضرا ، ولا بسطا ولا قبضا ، ولا حركة ولا سكونا ، ولا هداية ولا ضلالا ، ولا ظلمة ولا نورا ، ولا حياة ولا موتا إلا و يعلم أن ذلك كله الله خالقه ، و هو على مقتضى العدل والإحسان ، و الحكمة و الرحمة
: "قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ"
(آل عمران / 26 )